بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لك حنان على هذا الموضوع العريض الذي تفضلت بإثارته لنقاشنا
كما أوجه شكري للإخوة من بعدك , الذين أفادونا بالإحاطة بجوانب كبيرة من الموضوع
و لقد استفدنا من جميع آراء من أبدى رأيه و ناقش
أعتذر قبل البدء عن الأخطء الكتابية في الرقن , و التي نتجت عن سرعة الكتابة
أما فيما يتصل بجانبي, فــ:
أولا أعتذر عن التأخر في إبداء الرأي, و من ثمة المناقشة, قد يفهمني الإخوة بأنني
تطفلت حتى آتي بالقول الفصل , المبني على الموازنة,
ففي الحقيقة أقول نعم , لكن نسبيا,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
إن الحديث عن موضوع إرضاء الناس , أو بالأحرى عن تحليل موضوع :"لاتدرك و غير
مطلوبة " يجرّنا بالضرورة إلى استدعاء عقليات و عقائد كل مجتمع من المجتمعات التي
ينتمي إليها كل منا كل على وجه مستقل. لأن إسقاط صفة عدم بلوغ الإرضاء متفاوت من
مجتمع إلى آخر, حسب المكان, و كذا من زمن جيل إلى آخر من حيث الزمان.
فدرجة القناعة لدى شخص في ظرف اجتماعي و اقتصادي عسير , كحال الشاب
الجزائري ليس كذلك الذي لدى شاب في أترف المجتمعات الأوروبية
هذا من جهة, و من جهة ثالثة, هناك البعد الروحي. فالوازع الديني يلعب
الدور الغالب في ذا المضمار . و سأفصل كلا على حدى .
[b] أولا : من حيث المكان:
زيادة على ما نبهت إليه, فأنت مثلا إذا طلب منك شخص في دولة غنية طلبا, و حققت
له طلبه, سيشكرك بطريقة تجعلك ترغب في العطاء أكثر, لأنك تشعر بأنه تقبّل خدمتك له
بشكل يصوّرك في مخيلته بصورة شريفة , مجرّدة من أية خلفيات , كالمصلحة المادية و
المعنوية, أي أنه يصبح مدينا لك بأن يرد جميلك, و بالتالي فرضاه تحق قلك,
أي أنك قد أدركت رضاه الذي رجوته بإسدائك هذا الجميل, .... "رضا الناس غاية تدرك"
أما من الناحية السلبية , أي العكسية , فإن أنت لم تتمكن من تحقيق طلب هذا
الشخص, و استطعت أن تقنعه بأنك لا حول و لا قوة لك, فقنع , فبذلك لقد تحقق
رضاه, أي .... "رضاه غاية تدرك"
أما إن أخفقت و تظاهرت بأنك يمكنك أن تحقق مطلبه, و في الأخير جئته صفر اليدين
فهنا لن تدرك رضاه , لأنك بنيت قناعته على تحقيق الغاية مسبقا, فكيف يمكنك إزالة
القناعة السابقة هذه, بقناعة جديدة مساوية لها في القيمة أو أكثر منها, و هو
ما لن يقبله عقله, و هنا , يمكنني أن أدرج مسألة : الريـــــــــــاء الذي تحدثتم عنه أعلاه
فغية الناس من هذه الزاوية لا ترك بتاتا. و هنا بالضبط أوافقك الرأي أختي حنان.
ثانيا : من حيث الزمان:
أكمل عرض رأيي و التحليل من منطلق الأمثلة للاختصار, فمثلا , قناعة شخص في عهد
مضى مبنية على الثقة, لأن الخبث لم يكن متطورا بالشكل الحديث, و إن كان لا يخلو
زمان منه, فسعيك في مصلحة شخص قديما كان يغلب عليه الجدّية و الوفاء, فإن
تحقق له مطلبه فإنه يرضى, و إن لم يتحقق فإنه لن يضجر و يقلب الأمور, فهو في كلتا
الحالتين راض.
ثالثا : من ناحية الوازع الديني أي من المنظور الشرعي:
أما من حيث الوازع الديني , فإن المؤمن أفضل من جميع النواحي, و ذلك يفسر من
المنظور الشرعي بتفسير الإتكالية, و هي منبوذة , فالمتكل على غيره لا يقدر على
شيء كالأبكم "وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على
مولاه " كما في الآية ,, و على كل حال, لن أعيد ما قاله لإخوة لأن ما سأقوله يصب في
نفس المصب,
و أخيرا, يبقى لما قلته استثناءات, لأنني سقت الشائع العام , و هو المطلوب .
أما عن تجاربي الشخصية مع الفكرة, فأنا شخصيا أعيش هذه القاعدة, و هي الغالبة و
السائدة للأسف, لأن التقرب و العلاقات التي انبنت معي, معظمها كان لمنفعة للطرف
الآخر, فإن انتهت المنفعة التي قد تقدر على تحقيقها احسب العلاقة انتهت, فلا
لهاتف الذي كان يرنّ , و لا الزيارة, و لا الهدايا, و لا تغيير المشي من الرصيف إلى
رصيفك على الأقل,, و ذلك أعيشه حتى اللحظة, راقبت مكالماتي الداخلة لهذا اليوم,
فوجدت أنني لم أستفد و لا من واحدة منها , كلها لأجل مصالح الناس
إلا أنني لا أتطيّر منها, و لا أحتمل سوءا من وراء العلاقات التي تربط بي, و أرتاح نفسيا
عند قضاء حوائج غيري إن أمكنني ذلك, أما إن لم يكن بإمكاني, فلا عيب في أن أقول
لصاحب الشأن لا حول لي و لا قوة, فإن تقبل و رضي, فذلك غايتي, و قد تحققت, أما
إن اشمأز مثلا, فلا أكترث لأمره, و إن أخفيت غيظي,
إلا أن الواقع يصرخ بعدم إمكان إرضاء الناس.
و في هذا السياق , أعرض قصة من نفس الشاكلة:
فيحكى أن عابر سبيل مر بحفرة في يوم شديد المطر و الطين, فسمع صراخ رجل في
الظلام الحالك ينادي إسعاف حاله , يطلب النجد لعل أحدا يسمعه, فتقدم الراجل من
الحفرة حيث الغريق, و بدأ يحاول مساعدته, هات يدك , هات يدك, هــــــــااااااااات يدك
ليمسكه فيرفعه إلى أعلى,
إلا أن الغريق يرفض كل مرة, و ينكمش داخل الحفرة رغم حالته المتردية,,
بقي الرجل هناك حتى بزوغ الفجر
بدأت حركة المارة من هناك, و التف الناس حول الحفرة, و عابر السبيل يترجاه ,,
وبينما هم كذلك, إذْ برجل يعرف الغريق يتقدم مشيرا للناس بالابتعاد عن الحفرة
فقال له عابر السبيل, أنا منذ لليل و أنا أطلبه و هو يرفض, فكيف سيقبل طلبك إنقاذه
قال الرجل: ماذا قلت له حتى رفض؟
قال عابر السبيل, كنت أقول له كل مرة: هــــــــــــــــــــــــات يدك.
قال الرجل: هذا الغريق هو أبخل رجل عرفته في قريتنا,
إنه لا يقبل كلمة : "هــــــــــــات"
ثم تقدم الرجل من الحفرة, و قال للغريق "هــــــــــــاك " يدي.
فمد الغريق يده, و أخرجه الرجل فنجى من موت محقق.
للأسف, مجتمعنا أيضا لا يعرف سوى كلمة "هــــــــــات" و لا وجود لــ "هـــــــــــاك"
في قاموسه, و من أرادها فقد رام غاية لا تدرك