مضبطة نموذجية لتشريح الجثث
مقدمةينبغي من الناحية المثالية أن يتولى مسؤولية الحالات الصعبة أو الحساسة مشرح (الشخص الذي يؤدي مهمة تشريح الجثة وإعداد التقرير الكتابي) موضوعي، متمرس، جيد العدة والتدريب، لا ينتمي إلي أي منظمة أو هيئة سياسية يحتمل أن يعنيها الأمر. ومما يؤسف له أن هذه الحالة المثلي كثيرا ما تكون بعيدة المنال. وتتضمن هذه المضبطة النموذجية لتشريح الجثث قائمة مرجعية شاملة لخطوات الفحص الشرعي الأساسي اللاحق للوفاة. وينبغي اتباع هذه الخطوات بالقدر الذي تسمح به الموارد المتاحة. ويساعد استخدام هذه المضبطة بشأن تشريح الجثث علي البت في وقت مبكر وبشكل قاطع في الحالات التي يختلف بشأنها، فيحول بذلك دون التكهن أو التلميح الذي قد يأتي نتيجة عدم تقديم ردود علي الاستفسارات المطروحة في معرض التحقيق في وفاة يحوم حولها الشك، أو تقديم ردود جزئية أو واهية.
ومن المتوخي أن يكون لهذه المضبطة النموذجية لتشريح الجثث عدة استخدامات. وقد يفيد الفئات التالية من الأفراد
أولا باستطاعة الطبيب الشرعي المتمرس الأخصائي في علم الأمراض وبخاصة الفحوص بعد الوفاة أن يعمل وفقا لهذه المضبطة النموذجية لتشريح الجثث لضمان الفحص المنهجي وتيسير النقد المفيد، الإيجابي منه والسلبي، من قبل المراقبين في وقت لاحق. وبينما يكون لدي الطبيب الأخصائي الشرعي المتمرس ما يبرر اختصاره، في الحالات الروتينية، بعض جوانب الفحص اللاحق للوفاة أو الشروح الكتابية لما يتوصل إليه من نتائج، فالفحوص أو التقارير المختصرة لا تصلح علي الإطلاق في الحالات التي يحتمل الاختلاف حولها، بل لا بد من إجراء فحص منهجي شامل وإعداد تقرير كامل للحيلولة دون إسقاط تفاصيل هامة أو ضياعها،
ثانيا يستطيع الطبيب العام الأخصائي في علم الأمراض (وبخاصة من يجري الفحوص بعد الوفاة) وغيره من الأطباء الباطنيين الذين لم يتدربوا في مجال الطب الشرعي ولكنهم ملمون بالتقنيات الأساسية للفحص اللاحق للوفاة أن يستكملوا إجراءاتهم المعتادة في تشريح الجثث بهذه المضبطة النموذجية. ويمكن لهذه المضبطة أن تنبههم أيضا إلي حالات ينبغي لهم فيها أن يلتمسوا الاستشارة، إذ أن المواد المكتوبة لا يمكن أن يستعاض عنها بالمعرفة المكتسبة من خلال الخبرة
ثالثا باستطاعة الخبراء الاستشاريين المستقلين، عندما يستعان بخبرتهم الفنية في مراقبة عملية تشريح أو القيام بها أو مراجعتها، أن يستشهدوا بهذه المضبطة النموذجية ومعاييرها الدنيا المقترحة، كأساس لإجراءاتهم أو آرائهم
رابعا يمكن أن تستعمل هذه المضبطة من قبل السلطات الحكومية، والمنظمات السياسية الدولية، وأجهزة إنفاذ القوانين، وأسر المتوفين وأصدقائهم، وممثلي المدعي عليهم المتهمين بمسئوليتهم عن حادث وفاة، وذلك لإقرار الإجراءات المناسبة للفحص اللاحق للوفاة قبل القيام به
خامسا وباستطاعة المؤرخين، والصحافيين، والمحامين، والقضاة، وسائر الأطباء، والنواب عن الجمهور أن يستخدموا هذه المضبطة النموذجية أيضا كمقياس لتقييم علميات التشريح ونتائجها
سادسا وباستطاعة الحكومات أو الأفراد استخدام هذه المضبطة النموذجية عند محاولة إنشاء نظام طبي شرعي للتحقيق في الوفيات أو تحسين النظام القائم، وذلك كدليل مرشد بشأن الإجراءات والأهداف التي يجب أن يتضمنها النظام المثالي للطب الشرعي
وينبغي للمشرح، عند إجرائه أي تحقيق شرعي في حادث وفاة، أن يجمع المعلومات التي تثبت هوية المتوفى ومكان وفاته وزمانها وسببها وكيفية أو طريقة حدوثها، هل كانت قتلا أم انتحار أم إثر حادث أم وفاة طبيعية
ولا بد من أن يكون التشريح الذي يعقب وفاة مشبوهة، تشريحا كامل النطاق. وينبغي أن تكون عملية توثيق نتائج التشريح وتسجيلها كاملة هي الأخرى ليتسنى الاستفادة بهذه النتائج. وينبغي الحيلولة، ما أمكن، دون إسقاط أية تفاصيل أو وجود تفاوتات، إذ قد يستغل أصحاب التفسيرات المختلفة للقضية أي قصور يلاحظونه في التحقيق. وينبغي أن تستوفي عملية تشريح الجثة عقب وفاة مشبوهة بعض المعايير الدنيا، إذا ما أريد أن يقدم تقرير مفيد ومقنع عن التشريح من قبل المشرح أو الهيئة أو الجهة الحكومية القائمة علي عملية التشريح أو أي شخص آخر يحاول الاستفادة من النتائج أو الاستنتاجات التي انتهي إليها التشريح
وقد وضعت هذه المضبطة النموذجية لتستخدم في حالات شتى. بيد أن الموارد اللازمة، كفرق التشريح ومعدات الأشعة السنية والموظفين ذوي التدريب الوافي، ليست متوفرة في كل مكان. وعلي الأطباء الشرعيين أن يعملوا في ظل نظم سياسية شديدة التباين. يضاف إلي ذلك أن الأعراف الاجتماعية والدينية تختلف اختلافا كبيرا في جميع أنحاء العالم، فتشريح الجثث إجراء متوقع وروتيني في بعض المناطق في حين أنه ممقوت في مناطق أخري. وبالتالي، قد لا يتسنى للمشرح دائما أن ينفذ جميع الخطوات الواردة في هذه المضبطة أثناء قيامه بعملية تشريح الجثة. وقد يكون الاختلاف عن هذه المضبطة أمر محتوما بل مفضلا في بعض الحالات، ولكن يقترح الإشارة إلي أي انحرافات ذات شأن مع الأسباب الداعية إليها
ومن الأهمية بمكان وضع الجثة تحت تصرف المشرح لمدة لا تقل عن 12 ساعة لضمان إجرائه فحصا وافيا ومترويا، إذ تفرض علي المشرح أحيانا قيود أو شروط غير واقعية من حيث المهلة المسموح بها للفحص أو الظروف المسموح فيها إجراء هذا الفحص. وإذا فرضت شروط، ينبغي أن يكون باستطاعة المشرح أن يرفض إجراء فحص عرضة للشبهة، وينبغي له أن يعد تقريرا يشرح فيه هذا الموقف. وينبغي ألا يفسر هذا الرفض علي أنه دليل علي أن الفحص كان غير ضروري أو غير مناسب. وإذا قرر المشرح أن يمضي قدما في الفحص، علي الرغم من صعوبة الشروط أو الظروف، ينبغي للشخص المشرح عندئذ أن يورد في تقرير التشريح شرحا لهذه القيود أو العقبات
وقد تم التأكيد في هذه المضبطة النموذجية علي بعض الخطوات بوضع خط تحتها وهي تمثل أكثر عناصر المضبطة ضرورة
المضبطة النموذجية المقترحة لتشريح الجثث
التحقيق في مكان الوفاة ينبغي أن يكون للمشرحين والمحققين الطبيين حق الوصول إلي مكان الجثة. وينبغي إخطار الموظفين الطبيين علي الفور للتأكد من عدم حدوث أي تغيير في الجثة. وينبغي، في حال رفض السماح بالوصول إلي مكان الوفاة أو حدوث تغيير في الجثة أو الامتناع عن الإدلاء بمعلومات، أن يذكر ذلك في تقرير المشرح
وينبغي إنشاء نظام للتنسيق بين المحققين الطبيين وغير الطبيين، كأجهزة إنفاذ القوانين مثلا وينبغي أن يعالج هذا النظام مسائل مثل كيفية إشعار المشرح، وإلي من يعهد بالمسؤولية عن مكان الحادث. وكثيرا ما تقع مسؤولية الحصول علي بعض أنواع أدلة الإثبات علي عاتق المحققين غير الطبيين، ولكن ينبغي للمحققين الطبيين الذين يستطيعون الوصول إلي الجثة في مكان حادث الوفاة أن ينفذوا الخطوات التالية
أ. تلتقط صورة فوتوغرافية للجثة كما وجدت وبعد نقلها من مكانها
ب. يسجل وضع الجثة وحالتها، ومن ذلك درجة حرارتها أو برودتها، ودرجة زرقتها وتيبسها
ج. تغلف يد المتوفين بكيسين من ورق مثلا، لحمايتها
د. تؤخذ درجة حرارة المكان، وفي الحالات التي يكون فيها وقت الوفاة نقطة خلاف، ينبغي تسجيل
درجة الحرارة في المستقيم داخل الجثة، وجمع أي حشرات موجودة لفحصها من منظور الطب الشرعي. ويتوقف الإجراء الذي يجب تطبيقه، علي طول الفترة التي يبدو أنها انقضت علي الوفاة
هـ. يفحص المكان بحثا عن أي دم قد ينفع العثور عليه في استبانة هوية الأشخاص المشبوهين
و. تسجل هوية جميع الأشخاص الموجودين في مكان حادث الوفاة
ز. تؤخذ معلومات من شهود العيان، ومن ضمنهم آخر من رأوا المتوفى علي قيد الحياة ويستعلم منهم عن الزمان والمكان والظروف التي رأوه فيها. ويجري استجواب جميع الموظفين الطبيين المعنيين بالطوارئ الذين كان لهم اتصال بالجثة
ح. يحصل من أصدقاء المتوفى أو ذويه علي كل ما يعين هوية الجثة وغيرها من المعلومات ذات الصلة. ويحصل علي السجل الطبي للمتوفى من طبيبه، بالإضافة إلي بيانات المستشفي، ومنها كل ما يكون قد سبق أن أجري له من عمليات جراحية وكل ما يتعلق باستعمال الكحول أو المخدرات ومحاولته الانتحار وعاداته
ط. توضع الجثة في كيس للجثث أو ما يقوم مقام ذلك، ويحتفظ بالكيس بعد إخراج الجثة منه
ي. تحفظ الجثة في مكان مبرد ومأمون لا يدع مجالا للعبث بها وبأدلتها الاثباتية
ك. يجب التأكد من أن القذائف والأسلحة النارية والمدى وغيرها من الأسلحة متاحة للفحص علي يد الموظفين الطبيين المسؤولين
ل. إذا كان المتوفى قد دخل المستشفي قبل وفاته، ينبغي الحصول علي الإقرار الذي يتضمن اعترافاته أو عينات الدم والصور المأخوذة له بالأشعة السينية، واستعراض سجلات استشفائه وتلخيصها
م. ينبغي، قبل البدء في تشريح الجثة، الإلمام بأنواع التعذيب أو العنف السائد في البلد أو المكان الذي وقع فيه الحادث