أتعاب المحامي
كتبه الأستاذ خالد خالص
من هيئة المحامين بالرباط
في الجزء الأول من هذه الدراسة، أشرنا باقتضاب إلى مصاعب مهنة المحاماة ومختلف الأدوار التي يلعبها المحامي.
نذكر في هذا الصدد بأن المحامي في حاجة كي يمارس مهنته جيدا إلى محل أنيق ولائق وبنية تحتية فعالة : مكاتب ومكتبات وآلات للنسخ وقاعة للاجتماعات ومصلحة للأرشيف وحواسيب وآلات طابعة وآلات ماسحة وأجهزة مودم وأجهزة صوتية وأنترنيت ومركز للهاتف وهواتف محمولة وجهاز فاكس وسيارات. ويحتاج أيضا إلى الاطلاع على آخر ما جد في الميدان القانوني: الاشتراك في الجريدة الرسمية وفي المجلات المتخصصة والاشتراك للولوج إلى مختلف أبناك المعلومات القانونية الموجودة في البلد (أرتيميس ومسناوي مازار وعما قريب " جوري بريم " ) أوالأجنبية (جوستيل وكريدوك وجوديت إلخ ) وإحداث بنك للمعطيات خاص بالمكتب وشراء الكتب المختلفة... ومن الضروري التوفر على مبلغ لايقل عن 500.000درهم كمصاريف لإعداد المكتب في أول الأمر، في حالة مجرد كراء وعلى ما لا يقل عن 1.500.000 درهم إذا كان ينوي المحامي شراء عقار وتجهيزه. ويجب التوفر أيضا على مبلغ لتسيير شؤون المكتب لايقل عن 100.000درهم.
وأشرنا كذلك إلى أن المحامي قبل إرساء قواعده، يتعين عليه إذا أراد تسجيل نفسه في التمرين بهيئة الرباط أن يؤدي في يوم كتابة هذا المقال لمجلس هيئة المحامين مبلغ35.000درهم إذا جاء مباشرة من الجامعة، و 70.000 درهم إ ذا سبق له العمل في القطاع الخاص أوالعام. ولمجلس الهيئة وحده فقط سلطة تقدير مبلغ حقوق تسجيل المرشح، أما القاضي فليس له أي حق لمراقبة التعاريف التي يحددها مجلس الهيئة (محكمة الاستئناف بالرباط، 2001/01/24 G.T.M رقم: 88 صفحة 155 ).
وبعد انتهاء التمرين وبغية التسجيل في الجدول، يدعو مجلس الهيئة مرة آخرى المرشح ليدفع حقوق التسجيل التي تتجاوز 8000 درهم.
وبعد التسجيل في الجدول وتجهيز مكتبه، وفق الشروط المشار إليها أعلاه، على المحامي أن يواجه أيضا تكاليف آخرى دائمة : الكراء والماء والكهرباء والهاتف والفاكس والأنترنيت وأدوات المكتب (ورق آلات الطبع وورق آلات النسخ والمحبرة والخرطوشات إلخ...).
ويجب على المحامي أن يدفع أيضا اشتراكات إلى مجلس هيئة المحامين وكذا تكاليف الخدمات التي تقدمها الهيئة والصويرات والطوابع وغيرها. فمثلا يكلف ملف تحديد الأتعاب 400درهم في هيئة المحامين بالرباط. وحتى الحصول على شهادة عمل يتطلب دفع مقابل عنها.
ومن جهة آخرى، تفرض على المحامين عدة أنواع من التأمينات. فعلاوة على تأمين السيارات (أوصويرات هذه الأخيرة)، يجب على المحامي أن يبرم تأمينا ضد المسؤولية المدنية وحوادث الشغل والحريق والفيضان والسرقة... وهناك أيضا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يطالب باشتراكاته وقليل هم المحامون الذين يدفعون اشتراكات للصندوق الوطني للتقاعد نظرا إلى قلة الموارد.
ونشير كذلك إلى أنه علاوة على هذه النفقات يدفع المحامي الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إلى كل مبلغ يقبضه. وثمة ملاحظة تفرض نفسها في هذا الصدد وهي أن الأطباء طالبوا بالإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة أمام البرلمان وحصلوا عليه، في حين أن المحامين لم يقوموا بـأي خطوة في هذا الاتجاه. وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي "جزار ويتعشى باللفت " أوبعبارة آخرى " محامون لايعرفون الدفاع عن أنفسهم ".
ويؤدي المحامي أيضا مصاريف المشاركة في المؤتمرات (الوطنية والدولية) وفي الندوات ومصاريف النقل والمأوى...
ويدفع المحامي %6 من رقم أعماله برسم واجب الاشتراك الأدنى وما قد يصل إلى %44 برسم الضريبة العامة على الدخل.
كما أن المحامي لايمكنه العمل وحده أمام العدد الهائل من المحاكم بالرباط، على سبيل المثال، دون الحديث عن المحاكم الموجودة في المدن الآخرى أوفي البلدان الآخرى خارج المغرب. فهو بحاجة إذن إلى شركاء ذوي مسؤولية ومحامين مساعدين ومحامين متمرنين وكاتبات لهن خبرة قانونية وأعوان للخدمة ومراسلين في المدن الآخرى. وإذا تعلق الأمر بمكتب متخصص، يستعين المحامي أحيانا بـأشخاص من خارج المكتب مثل الدكاترة الجامعيين أومتخصصين في المجال الضريبي للقيام بـأبحاث في نقطة معينة من القانون.
وبمعنى آخر، يشكل مكتب المحامي بمفرده في أيامنا هذه مقاولة حقيقية تحتاج من أجل حسن سيرها إلى هيكلة جيدة وتتـألف من أشخاص أكفاء، ابتداء من المحامين أنفسهم الذين يتعين عليهم دوما وأبدا استكمال التكوين، مرورا بالمساعدين والكاتبات القانونيات إلخ... كل هؤلاء الناس، مع أنه لم يتم ذكر سوى الاشخاص الضروريين، يجب أداء أجورهم وأداؤها بسخاء حتى يتمكنوا من القيام جيدا بالمهام التي يونطون بها في مكتب المحامي.
ويتنقل كل هؤلاء الناس طوال اليوم سواء داخل المدينة التي يوجد بها المكتب أوخارجها بين مختلف المحاكم أو بين مختلف الإدارات. وإذا كانت مهنة المحاماة مهنة شاقة فيمكن إدراجها إضافة إلى ذلك في خانة المهن الخطيرة لأنها توجد على رأس المهن المسماة بمهن " الثقة " (يتعامل مكتب المحامي مع أموال وشيكات وأوراق تجارية واعترافات بالديون ووثائق سرية جدا إلخ...). وعليه فإن مستخدمي مكتب المحامي لاينبغي فقط اختيارهم بدقة ولكن كذلك أداء أجورهم بسخاء. وبسبب كل هذه الضغوط وجميع هذه التكاليف، يجب على المحامي (وهو ملزم بذلك) أن يطلب أتعابا عادلة ومعقولة. وهنا أيضا وبما أن ثقافة تقديم الخدمة لم تترسخ بعد في العقليات ببلدنا، فإن العديد من الناس يزعمون أن التكاليف التي تمثلها خدمات المحامي بعيدة عن المنال وبالتالي تجعل الولوج إلى القضاء صعبا.
وهذه قدرية مفرطة، فعندما يظن المرء أن أتعاب المحامي مرتفعة ومن ثم يتخلى عن حقوقه ويفقدها فذلك خطأ جسيم سيكلفه أكثر مما كان سيدفعه لو لجأ إلى خدمات أحد المحامين. أما إذا كان الشخص يعتبر أن وضعيته المالية صعبة جدا، فيوجد دائما الحل المتمثل في مطالبة الجهة المختصة للحصول على " المساعدة القضائية " إذا كانت تنطبق عليه شروطها.
وتوجد في الحقيقة عدة عوامل تساهم في هذا الخلط وفي هذه الشكوك.
وتأتي في الدرجة الأولى حرية المنافسة التي تمنع على هيئة المحامين تنظيم مبالغ الأتعاب وكذا بعض المقتضيات القانونية التي أكل عليها الدهر وشرب، في مرحلة فرض فيها على المغرب الدخول إلى عصر الاتفاق العام حول التعاريف الجمركية والتجارة أوالمنظمة العالمية للتجارة. فإذا كانت القواعد الأخلاقية للمهنة تكرس حرية تحديد تعاريف الاستشارة والمبلغ المسبق وحتى تعاريف الأتعاب، فإنه يمنع تحديد الأتعاب مسبقا حسب النتيجة المحصل عليها.
فقد تم إقرار حرية تحديد الأتعاب ليس فقط لصالح المنافسة (سيتم حتما اعتبار أحد النصوص التنظيمية لمجلس الهيئة بالمخالف لروح المنافسة وسيحال إلى أنظار مجلس المنافسة -الظهير الشريف الصادر في 5 يوليو 2000 - الجريدة الرسمية عدد 4810 بتاريخ 6 يوليو 2000، صفحة 1940) ولكن أيضا لصالح المحامي الذي قد يفاجأ بعدد المساطر الواجب عليه مباشرتها أواتباعها في قضية واحدة وبالوقت الذي ستستغرقه تلك المساطر. ولهذا الغرض، أقر المشرع مبدأ التسبيق الذي يجب دفعه عند قبول التوكيل. وثمة كذلك قلة المعلومات التي يزود بها الموكل من طرف المحامي نفسه، فاالموكل له حق شرعي ومبدئي في معرفة مآله ومن واجب المحامي بالتالي أخبار موكله بالتكلفة التقريبية لما سيدفعه مقابل ذلك التوكيل