تقديم
النص الساري التطبيق في مسألة تبليغ المستندات والوثائق المدعمة لإدعاءات الخصوم وهو نص المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية الذي جاء به تعديل سنة 1971 وإن كان لا يشترط شروطا معينة في المستندات المقدمة في الدعوى وجاء مبهما فيما يتعلق بكيفية تبليغ الخصوم بها وكذا الجزاء المترتب على عدم التبليغ، حيث يحتمل عدة قراءات أسال الكثير من الحبر وخلق العديد من التأويلات حتى أن المحكمة العليا نفسها لم تستقر على رأي واحد في تفسير وتطبيق المادة .
فإذا كان يفهم من صياغة النص من وجهة نظر أولى أن المادة جاءت بصيغة الوجوب وبالتالي فهي آمرة لا يجوز مخالفتها على الإطلاق فإن المحكمة العليا ذهبت هذا المذهب في الأول بأن قضت بـ"أن إجراءات عدم تبليغ السندات والوثائق للخصم هو خرق للقانون وإضرار بحقوق الدفاع "( م ق 1990 عدد 4 ص 13)
فإن وجهة النظر الثانية توجب عدم قراءة المادة قراءة ويل للمصلين ذلك أن سياق المادة يفهم منه العكس خاصة وأنها تجيز للقاضي النظر في الصعوبات التي يمكن أن تنشا عن تبليغ الوثائق أو الاتصال بها وتجيز له تأجيل القضية للجلسة التي يري تعيينها لاستكمال هذه الإجراءات أو للإطلاع على الوثائق المرفقة ، كما أن هذا الرأي يستند أيضا إلى أن المادة وعلى الرغم من مجيئها بتلك الصياغة إلا أنها لم تضع جزاء على إغفال أو عدم تبليغ ملف الموضوع وبالتالي لا يمكن الجزم ببطلان الدعوى إجرائيا طبقا لمبدأ أن لا جزاء إلا بنص ولا بطلان إلا بنص ، وعليه قضت المحكمة العليا بأن تبليغ ملف الموضوع يعتبر طلبا وليس دفعا وأن اعتباره دفع هو خرق بقاعدة جوهرية في الإجراءات( م ق 2000عدد 2 ص 109 )
وأما القانون الجديد08/09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية والذي سيعوض القانون الساري حاليا في مثل هذا الشهر من السنة القادمة بحول الله فقد جاء مبهما بدوره في كثير من جوانب موضوع البحث على الرغم من كونه جاء مفصلا بشأن تقديم المستندات إلى المحكمة وكيفية تبليغها وكذا الجزاءات المترتبة عن تخلف تقديمها وتبليغها سأحاول تقديما للقارئ ضمن المنهجية التالية
المبحث الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها ووسائل استردادها.
المطلب الأول: في كيفية تقديم المستندات ووتبليغها
المطلب الثاني : في كيفية استرداد المستندات
المبحث الثاني : في الجزاءات المترتبة عن تخلف إيداع الوثائق وتبيغها
المطلب الأول: في جزاء مخالفة الإيداع
المطلب الثاني : في جزاء مخالفة التبليغ
خاتمة
المبحث الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها ووسائل استردادها.
جاءت أحكام القانون 09/08 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية صارمة في مايتعلق بكيفيات تقديم الوثائق وشروط تقديما لم يسبق ان تناولها المشرع الجزائري كما لم يسبق أن تطرق لها العمل القضائي وكذلك الشأن فيما يتعلق بطرق إستردادها سنتناولها في المطلبين التاليين
المطلب الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها
نصت المادة 21 من القانون 08/09 على وجوب إيداع الاوراق والسندات والوثائق التي يستند إليها الخصوم ، دعما لادعائاتهم بامانة ضبط الجهة القضائية ، ويستوى حسب نص المادة أن تقدم أصول الوثائق أو نسخ رسمية منها او نسخ مطابقة لاصلها غير أن هذا الشرط ليس جوهريا على اعتبار ان المادة أجازت للقضاء قبول النسخ العادية منها عند الإقتضاء
ويبدو أن المشرع الجزائري أراد من خلال الحرص على تقديم النسخ الرسمية للوثائق أو نسخ رسمية او مطابقة لاصلها أن يتفادى قدر الإمكان الطعون التي تقدم في شأن صحة تلك الوثائق ودعاوى التزوير الفرعية التي كثيرا ما تثار حول صحة الوثيقة وتعطل سير الدعوى ثم ما يلبث أن يظهر كذب الإدعاء وعدم صحته وعلى كل فالمشرع الجزائري تطرق لمسالة الطعن بالتزوير في الوثائق بشيء من التفصيل لم يعده التشريع الجزائري.
كما أنه عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 21 على جواز قبول النسخ العادية فإنه لم يشا الوقوع في مخالفة تناقض صريح نصوص القانون المدني التي تجيز الإحتجاج بالنسخة العادية مالم يطعن فيها بالتزوير .
كما أن القانون الجديد حمى المتقاضي من التلاعب بوثائقه أو اتلافها أو ضياعها حين نص على وجوب تقديم تلك الوثائق على أمانة الضبط بجردها والتأشير عليها قبل أيداعها بملف القضية في مقابل وصل استلام تحت طائلة الرفض حسب صراحة نص المادة 22 والإستثناء الوحيد عن هذه القاعدة هو المنازعات في المادة الإدارية بحيث يقوم الخصوم بأنفسهم في هذه الحالة بإعداد جرد بالوثائق المدعمة لعرائضهم مالم يوجد مانع يحول دون ذلك بسبب عددها أو حجمها أو خصائصها وفي كل الأحوال يؤشر أمين الضبط على الجرد.
وأما القناة الوحيدة التي أوجدها المشرع لتبادل الخصوم للمستندات المودعة طبقا للإجرءات المشار إليها سابقا فهي القاضي دون سواه سواء تم تبادل هذه الوثائق أثناء الجلسة أو خارجها.
إن هذه النصوص الجديدة والإجراءات الجديدة ستثير ولا شك العديد من الإشكاليات على الصعيد التطبيقي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انه لا يجوز إيداع مستندات في ملف الدعوى قبل تقديم المقالات التي بنيت عليها وغلا وقعنا في ما يصطلح عليه بـ" المصادرة على المطلوب"
وبالتالي يمكن أن تسير العملية وفق أحد الافتراضات التالية:
1- أن يقدم الخصوم مقالتهم إلى القاضي بالجلسة ثم بعد ذلك يقدمون الوثائق المشار إليها في العريضة إلى أمانة الضبط، وهذا العمل مرهق للقاضي ولامين الضبط والمتقاضي على حد سواء خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بعض القضايا ذات الطبيعة الخاصة كالقضايا العقارية التي يمكن أن تضم عشرات الأطراف وعشرات الوثائق والخبرات ...والقضايا التجارية والاجتماعية التي يمكن أن تكون الوثائق المقدمة فيها من طبيعة تجعل عملية الجرد والتأشير متعبة فضلا عن حجم الجدول في محاكم المدن الكبيرة
منقول / يتبع