هي قصة كان أبي و أمي يرويانها لنا منذ الصغر , مفادها أن:
طفلا من عائلة ثرية كان له العشرات من الأصدقاء, كان بمجرد عودته من الدراسة يتهافتون على بابه ينادونه للعب معهم, فلا يدعونه يراجع دروسه, و صار لما يأمره أبواه بإحضار شيء من الدكان أبى و رفض , و فضّل أصحابه عن طاعة والديه.
صار هذا الولد مراهقا, على عتبة الشباب, و لا زال على نفس الطبع , و لم يجد أبوه سبيلا لتخليصه من تلك الصحبة البائخة , خشي أشد الخشية على ولده من الضياع في رفقة السوء,
كان الأصدقاء يظهرون له ودّهم, و مؤازرتهم له في الشدائد: نحن معك لو حصل لك طارء, سنبذل أموالنا و أنفسنا لأجلك, ,,,, المهم.
كلما تحدث إليه أبوه عن الموضوع ثارت ثائرته, و غضب لأيام عديدة, لأنه كان يحس أن أباه يجذبه من أصحابه, كان يظن أن أباه لم يرد له خيرا, خاصة و أنه يحثه على امتحانهم ليعلم أخيرا من هو الصاحب الفعلي, فيكتفي به لحياته على الشدائد, و يستغني عن البقية الكثيرة, و أن يفعل كما يفعل أبوه, أبوه ليس لديه سوى صديق واحد و فقط,, المهم...
في عز قر الشتاء, ذات ليلة كانت الريح تكاد تقتلع الأشجار, السماء مغيمة بسحب سوداء, الثلوج تتهاطل, , بينما الولد الشاب نائم ينعم بدفء فراشه في جوف الليل كما ينعم أعضاء منتدى ستارلاوز, إذْ بأبيه يطرق الباب طرقا شديدا متتاليا دون انقطاع مناديا على الولد , تعال أسرع أسرع...
قام الولد فزعا , خائفا, متوجسا, مضطربا, و اتبع أباه إلى المرآب في الطابق الأرضي للمسكن, فلاحظ كيسا كبيرا تخرج منه الدماء , و عصى و سكين بيد والده.
قال الأب لابنه, يا ولدي, هذا لص أراد أن يقتل أباك, فتفطنت له أمك, فقتلناه معا, فاذهب و أحضر أصدقاءك لنتعاون على أخذه إلى مكان بعيد قبل أن يلوح ضوء الصباح.
انطلق الولد مسرعا , يطرق أبواب أصدقائه الواحد تلو الآخر , فما من أحد استنجد به منهم إلا و تحجج بأنه مريض, أو أن له سفر بعد حين أ و منهم من رفض صراحة لخطورة الأمر, و منهم من رفض فتح الباب في ذلك البرد و تلك الظلمة...
عاد الولد إلى أبيه منهارا باكيا وحيدا, و بمجرد دخوله خاطبه الأب, يا ولدي أين أصحابك؟
أجاب بحسرة باكيا: لقد رفضوا جميعا, ماذا سنعمل يا أبي؟
فأمره أبوه بأن يتجه إلى مسكن صديق هذا الأب , لأنه الوحيد الذي بقي قبل أن يدركهم النهار.
اتجه الولد مسرعا, طرق الباب برفق مستحيا من صديق أبيه, ففتح الباب: نعم يا بني, ما الذي جاء بك في هذا الوقت من الليل , ما لي أراك متجهما؟ أهناك خطب ما؟
أجابه الولد بأن أباه حوال لص الاعتداء عليه , فقتله, و هو الآن في حيرة من أمره, يحتاج عونك لنقله و دفنه بعيدا قبل أن يراه الناس.
خرج صديق الأب دون أن يعود لتغيير ملابس النوم, خرج مسرعا صوب منزل والد هذا الشاب, و بمجرد أن وصلا , همس أين هو ابن الكلب, هيا , اسرع بنا ندفنه كي لا يطالك أي مكروه, و حمل الكيس الكبير الملطخ بالدماء على كتفيه يتمايل يمينا و شمالا, و بمجرد أن وطأت قدمه العتبة, قال له الأب مهلا يا صديقي و يا أخي الذي لم تلده أمي,
ليس الأمر كما تريانه:
هذا كبش أقرن أملح , جعلته مكافأة لمن يظهر لي استعداده لمؤازرتي عند الشدة.
فخذه هنيئا لك.
أنزل الرجل الكيس من فوق كتفه, و انطلق نحو الأب , و حضّنه طويلا.
هنا عرف الولد ما معنى الصديق...
فما أكثر الأصحاب حين تعدهم *** لكنهم حين النائبات قليل.
.