المبحث الثاني :
الحق الشخصي .
تعريف : هو سلطة يقررها القانون للشخص الدائن قبل شخص آخر يسمى المدين، تمكنه من إلزامه بأداء عمل أو الامتناع عنه تحقيقا لمصلحة مشروعية الدائن.
حيث من ناحية الدائن يسمى: حقا.
و من ناحية المدين يسمى: إلزاما.
* و يتميز الحق الشخصي بأنه لا يمكن صاحبه الحصول على حقه إلا بتدخل المدين، مثلا: رب العمل لا يستطيع أن يقتضي حقه إلا بتدخل المدين"العامل" و على هذا يختلف الحق الشخصي عن الحق العيني الذي هو سلطة مباشرة على الشيء و لا يستلزم وساطة بين صاحــب الحــق و الــشيء محـل الحق، و سيتناول هذا المبحث أركان الحق الشخصي والمذاهب التي حاولت التقريب بين الحق الشخصي و العيني و في الأخير نتناول المقارنة بين الحق الشخصي و الحق العيني.
المطلب الأول :
أركان الحق الشخصي: إن أركان الحق الشخصي تنقسم إلى :
1- طرفا الحق: و هما الدائن صاحب الحق و المدين الملتزم بالحق.
2- محل الحق : و هو إما أن يكون إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
و الالتزام بالقيام بعمل هو التزام إيجابي أما الالتزام بالامتناع عن عمل ما هو التزام سلبي فمثلا :
-التزام المقاول ببناء منزل هو التزام ايجابي .
- التزام التاجر بعدم منافسة من باع له المحل التجاري و التزام الجار بعدم تعلية البناء إلى حد ما هو التزام سلبي .
أما الالتزام بإعطاء شيء هو الالتزام بالقيام بكل ما هو لازم لإعطاء الشيء محل الالتزام كالقيام بكل ما هو لازم لنقل الملكية، فالتزام المشتري بدفع الثمن هو التزام بنقل الملكية منقول و هو مبلغ من النقود و قبل تنفيذ هذا الالتزام يكون البائع حق شخصي قبل الملتزم به و هو المشتري و بمجرد ما ينفذ الملتزم التزامه ينقضي الحق الشخصي الذي كان للبائع و يصبح مالكا للمبلغ المدفوع.
فإذا كان العمل الذي يطلب من المدين أداءه يرمي إلى نقل أو إنشاء حث عيني لمصلحة الدائن سمي هذا التزام بإعطاء شيء.(1)
و يتعدد الحق الشخصي بتعدد مصادره فلدينا :
- العقد أو الإرادة المنفردة: كالوعد بجائزة.
- الفعل الضار: فيلتزم محدث الضرر بتعويض للذي أصابه الضرر.
- الإثراء: كالتزام المتري برد ما أثري به بغير سبب.
- الفضالة: فيرد رب العمل إلى الفضولي ما أنفقه.
1- سنتعرض لانتقاد هذا الالتزام في المبحث الخاص بمحل الحق الشخصي.
المطلب الثاني : محاولة التقريب بين الحق العيني و الحق الشخصي:
إن محاولة التقريب بين الحق الشخصي و الحق العيني يشتمل على نظريتين أو مذهبين هما :
الفرع الأول: المذهب الشخصي
من أنصاره Planiol – Saviqny .
يذهب أنصار هذا المذهب إلى إبراز الرابطة بين الأشخاص في الحق العيني كما في الحق الشخصي على أساس أنه في الحق العيني توجد كذلك علاقة بين صاحب الحق و كافة الناس الذين يكونون ملزمين باحترام هذا الحق.(1)
فإذا كان الحق الشخصي يتمثل في صاحب الحق و محل الحق و الناس كافة، إذ يلتزمون بالتزام سلبي و هو احترام هذا الحق و الامتناع عن التعرض لصاحبه و يرد على هذا الرأي بأن القول بانفراد الحق العيني بالعنصر السلبي المفروض على كافة الناس بعدم التعرض لصاحب الحق، قول غير صحيح لأن الحق الشخصي كذلك يستلزم احترام كافة الناس مع ملاحظة أن الحق الشخصي يزيد عن الحق العيني بشيء جوهري يميزه عنه و هو الجانب الخاص بالمدين إذ يستوفي الدائن حقه بواسطته، فيبقى التزام المدين في الحق الشخصي التزاما محددا فلا يجوز للدائن الحصول على حقه إلا بتدخل المدين.
و يمكن الرد على مناصري هذا المذهب من بينهم Planiol بأن الحق العيني نافذ بالنسبة للجميع حقيقة و لكن نفاذه يتم بصفة سلبية فقط أي بالتزام الناس كافة بعدم التعرض لهذا الحق بينما الحق الشخصي يلزم المدين إما بعمل إيجابي أو سلبي.
و كذلك فالحق العيني سلطة على الشيء يمكن صاحبه ( أي صاحب الحق ) من تتبع الشيء و استفاء حقه بالأفضلية.(2)
بينما في الحق الشخصي يتعلق حق الدائن بالضمان العام أي أن حقه يرد على كل أموال المدين، و يتقاسمها مع باقي الدائنين قسمة غرماء، فليس له حق أفضلية.
الفرع الثاني : المذهب المادي.
من أنصاره Salleiles-Ginossar-lambert.
و وفقا لهذا المذهب يعتبر المحل هو الأصل في الحق الشخصي و محل الحق الشخصي هو القيمة المالية و هي التي تعني الدائن و يهمه الحصول عليها أما المدين فلا يهمه إلا أنه هو الواسطة التي يستطيع عن طريقها دفع هذه القيمة المالية فالحق الشخصي كالحق العيني كلاهما عنصر من عناصر الذمة المالية و كما يستطيع صاحب الحق العيني أن يتصرف فيه بأن يبيعه أو يهبه أو يرهنه....، و أن يجري عليه كل التصرفات فكذلك الحق الشخصي هو أيضا عنصر مالي، فبتجريد القيمة الحالية للحق الشخصي عن شخص الدائن و عن شخص المدين يقترب الحق الشخصي عن الحق العيني فالحق الشخصي هو علاقة غير مباشرة بالشيء بينما الحق العيني هو علاقة مباشرة.
1-srarct : droit civil, introduction, LITEC 1976, P 82.
2- Mazeaud : OP cit., P 188-189.
و هذا الرأي منتقد لأن الفرق بينهما يظل قائما و صاحب الحق الشخصي تظل له مجرد سلطة غير مباشرة على الشيء موضوع الحق، فلا يمكنه استعمال هذه السلطة بواسطة المدين و يبقى للمدين في الحق الشخصي دور يؤديه للدائن، إذ تكون شخصية المدين محل اعتبار في بعض العقود، و نلاحظ أن المشرع تأثر بالمذهب المادي في حوالة الحق و الدين.
و ليس ضروريا وجود الدائن وقت نشوء الالتزام مثل الوعد بجائزة لكن يجب أن يوجد أطراف الالتزام وقت تنفيذه فلا يجوز في نفس الوقت إغفال دور المدين فلا يزال الالتزام رابطة بين شخصين، فلا بد من وجود طرفيه وقت التنفيذ.
المطلب الثالث : المقارنة بين الحق الشخصي و الحق العيني.
1- إن محل الحق الشخصي هو القيام بعمل معين أو الامتناع عنه أما الحق العيني فيرد على شيء مادي منقولا كان أو عقارا.
2- الحق الشخصي هو استئثار غير مباشر، فلا يمكن صاحب الحق الحصول على حقه إلا بتدخل أو بواسطة المدين أما الحق العيني فهو استئثار مباشر بشيء يمكن صاحب الحق من الحصول على المزايا التي يمنحها له حقه دون وساطة.
3- الحقوق الشخصية ليست محصورة، و لأفراد أن ينشئوا ما شاؤوا منها بشرط عدم مخالفة النظام العام و الآداب العامة، أما الحقوق العينية فهي واردة في القانون على سبيل الحصر.(1)
4- الحق الشخصي حق مؤقت بينما الحق العيني كحق ملكية أبدي.
5- الحق الشخصي لا يكسب بالتقادم بينما الحق العيني يمكن اكتسابه بالتقادم.
6- الحق الشخصي يسقط بالتقادم بينما الحق العيني لا يسقط بالتقادم.
7- الحق الشخصي يخول صاحبه الحق في الضمان العام لمدينه بينما الحق العيني يعطي لصاحب الحق العيني التبعي حق الأفضلية و التتبع و هذا يضمن له حقه أكثر.
8- هناك من يرى أن الحق العيني يتميز عن الحق الشخصي بأنه نافذ في مواجهة الجميع، و الحقيقة هو أن الحق سواء كان عينيا أو شخصيا نافذ في مواجهة الغير و يجب على الجميع احترامه.
و نلاحظ في الأخير أن هناك حقا شخصيا يقترب من الحق العيني و هو حق الإيجار فللمستأجر إلى جانب حثه الشخصي حق عيني، إذ يمكنه من استغلال و استعمال العين المؤجرة مباشرة بمجرد أن يمكنه المؤجر من ذلك، لهذا لجأ المشرع الفرنسي إلى إنشاء حق عيني جديد و هو" Emphytéose" و هو خاص بالإيجارات الطويلة، و يمكن التنازل عن هذا الحق كما يمكن حجزه، و كذلك يجوز رهنه و لصاحبه أن يرفع دعاوى الحيازة لحمايته.
و لا يعرف المشرع الجزائري مثل هذا الحق و يبقى الإيجار مهما طالت مدته حقا شخصيا و لكنه يمتاز ببعض خصائص الحق العيني و منها حماية المستأجر بدعاوى الحيازة وفقا للمادة 487 مدني.
1- لم ينص المشرع الجزائري على حق الحكر إلا أنه تطبق بشأنه أحكام الشريعة الإسلامية .
كما أن المشرع أخضع الإيجارات التي تزيد مدتها عن اثني عشر سنة للشهر، مع أن الشهر الخاص بالحقوق العينية، و لقد نصت المادة 17 من الأمر 75-74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري على ما يلي :
(( إن الإيجارات لمدة 12 سنة لا يكون لها أي أثر بين الأطراف و لا يحتج بها تجاه الغير في حالة عدم شهرها....)).
و للمستأجر حق تتبع العين المؤجرة، إذ الإيجار الثابت التاريخ يسري في مواجهة الخلف الخاص و هذا ما نصت عليه المادة 511 مدني بقولها (( إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختيارا أو جبرا إلى شخص آخر فيكون الإيجار نافذا في حق هذا الشخص)).
و كخاتمة لموضوع بحثنا المتواضع الذي نأمل أن نكون قد وفقنا إلى التطرق إلى ذكر أهم عناصره حيث نجد نوعين من الحقوق الأولى تتمثل في الحقوق العينية التي انطوت تحتها الحقوق العينية الأصلية و تتمثل في حق الملكية و المتجزئة في الملكية و الانتفاع و الارتفاق و الاستعمال و الحقوق العينية التبعية مثل الرهن الرسمي و الحيازي و التخصيص الامتياز، هذا من جهة و من جهة أخرى نجد حقوق شخصية، هذه الأخيرة تختلف عن الحقوق العينية و هذا يظهر جليا من خلال المقارنة بينهما و كذلك نجد أن المشرع قد وضع قوانين و مواد تضمن هذه الحقوق.
منقول