مشاركة الجيش الجزائري في حرب 1967
الحلقة الخامسة
رغم حداثة استقلال الجزائر وكثرة مشاكلها الداخلية إلا أنها لم تتنصل يوما عن واجباتها تجاه الأمة العربية وبالأخص القضية الفلسطينية، وفي هذه الحلقة يبرز العقيد الطاهر زبيري الدور الذي لعبه الجيش الوطني الشعبي في أول مشاركة له في الحروب العربية الإسرائيلية في 1967.
عرفات يطلب دعمنا لتفجير الثورة الفلسطينية
جاء إلى الجزائر في أواخر جانفي 1964 وفد من الفلسطينيين يمثلون النواة الأساسية لما أصبح يعرف فيما بعد حركة التحرير الفلسطينية "فتح" التي أعلنت عن ميلادها الرسمي في الأول من جانفي 1965، وكانوا يسعون لتفجير ثورة فلسطينية مستقلة عن القيادتين المصرية والأردنية اللتين كانتا تسيّران قطاع غزة والضفة الغربية، وضم هذا الوفد كلا من ياسر عرفات المدعو أبو عمار (أصبح أول رئيس للسلطة الفلسطينية في التسعينات) ومعه خليل الوزير المدعو أبو جهاد (اغتيل في تونس في الثمانينات) بالإضافة إلى أحمد وافي المدعو أبو خليل.
ومكث القادة الفلسطينيون ثلاثة أشهر بالجزائر سعيا للحصول على دعم سياسي وعسكري جزائري لتفجير ثورتهم ولكن دون أن يجدوا أي سبيل للوصول إلى القيادة الجزائرية، خاصة وأن أسماءهم لم تكن معروفة لنا، فاتصل أبو جهاد بالمحامي الجزائري محمد مهري الذي كان أحد نشطاء الثورة التحريرية في الشرق الأوسط وقال له متذمرا:
ـ ثلاثة أشهر وأنا بالجزائر ولم أتمكن من لقاء أي مسؤول جزائري.
وأضاف مستعجلا: نريد تفجير ثورتنا.
فسأله محمد مهري: هل أستطيع أن أرى برنامجكم.
فرد أبو جهاد بالإيجاب: أنت واحد منا.
فرتب لهم محمد مهري لقاء معي، حيث كانت تجمعني بمهري صداقة قديمة، واجتمعنا حول طاولة عشاء وسألتهم خلالها عن مطالبهم.
فقال لي ياسر عرفات: نريد منكم السلاح وتدريب رجالنا على استعماله، ودعمنا بالأموال.
وافترقنا دون أن أعدهم بشيء ولكني قابلت بومدين وتحدثت معه في الأمر، فقال لي:
ـ ساعدهم.. ولكن إيّاك أن يسمع بن بله فهو صديق عبد الناصر.
وأعطيت الأوامر للنقيب عبد الرحمان بن عطية الذي كان مسؤولا عن مخازن السلاح في ليبيا وتونس ومصر والأردن وسوريا والتي كنا نملكها من أيام الثورة التحريرية بأن يسلم السلاح للقادة الفلسطينيين الجدد.
وتم تزويد الفلسطينيين بالسلاح الجزائري الذي كان موجها للمجاهدين الجزائريين في الداخل ولكن بعد طرد الاستعمار الفرنسي أصبح إخواننا الفلسطينيون أولى به منا في حربهم التحريرية ضد الصهاينة.
وبعد ثلاثة أشهر من موافقتنا على تسليح وتدريب جماعة أبو عمار أرسلوا إلينا 57 متطوعا فلسطينيا فأدخلتهم إلى الأكاديمية العسكرية بشرشال أين تلقوا تدريبا عسكريا، وهؤلاء الشباب كانوا من بين الذين فجروا الثورة الفلسطينية بعد أشهر من ذلك.
وفي 1966 زارني مجددا محمد مهري في مكتبي بقيادة الأركان ليبلغني طلبا من ياسر عرفات بتزويدهم بالسلاح الموجود في أحد المخازن بسوريا والذي كان تابعا للثورة الجزائرية، فطلبت منه أن يرسل لي طلبا مكتوبا في هذا الشأن ثم أعطيت أوامري للضابط عبد الرحمان بن عطية بتسليم كامل سلاح هذا المستودع إلى الثوار الفلسطينيين.
لقائي مع عبد الناصر قبيل حرب 1967
في عام 1967 ازداد التوتر بين القاهرة وتل أبيب، وأصبحت إسرائيل تهدد بشن حرب ضد بلدان الطوق خاصة مصر وسوريا، وردت مصر بتهديدات مماثلة، مؤكدة بأنها ستدخل الحرب إذا هاجمت إسرائيل سوريا، ولم تكن العلاقات الجزائرية المصرية في أحسن أحوالها بعد تنحية بن بله في جوان 1965، لكنها لم تكن سيئة لأن المواقف الجزائرية الداعمة للعرب وللقضية الفلسطينية لم تتغير.
وكان عبد العزيز بوتفليقة قد التقى مع جمال عبد الناصر في غانا على هامش إحدى القمم الإفريقية التي عقدت في 1967 على ما أذكر ولكن قبل زيارتي لمصر فسلم عليه وطمأنه على أحوال بن بله وشرح له أسباب ما وقع وقال له "سنصحح الطريقة التي عقد بها مؤتمر الحزب ونعيد انتخاب اللجنة المركزية لأن بن بله لم يشاورنا في عملية تحضيره".
ورغم أن عبد الناصر لم يكن يخفي غضبه على بومدين وجماعتنا بعد الإطاحة ببن بله إلا أنه رد بدبلوماسية على بوتفليقة وقال له "نتمنى النجاح للجزائر وأن لا تدخل في مشاكل وأزمات"، وكان من حين إلى آخر يلتفت إلى الرئيس الأوغندي ويتكلم معه بالانجليزية رغم أنه يعلم أن بوتفليقة لا يجيد هذه اللغة.
في ظل الأجواء المتوترة في الشرق الأوسط والتي كانت تتجمع حولها سحب الحرب الداكنة طلب مني بومدين بصفته قائدا لمجلس الثورة أن أقوم بزيارة لكل من سوريا ومصر للتأكد من حقيقة الأوضاع وقال لي "إذهب إلى سوريا ومصر وتأكد ما إذا كانت المنطقة متجهة إلى الحرب أم أن الأمر مجرد كلام، وبلغ عبد الناصر والأتاسي تحياتي".
توجهت إلى القاهرة في ماي 1967 أي قبل شهر من اندلاع الحرب رفقة الأمين العام لهيئة الأركان شريف مهدي، والرائد عبد اللاوي والرائد الهاشمي هجرس واستقبلنا في مطار القاهرة مسؤول المخابرات المصرية وعدد من الضباط السامين بالإضافة إلى الأخضر الإبراهيمي سفير الجزائر في مصر.
وفي مساء نفس اليوم استقبلنا جمال عبد الناصر بنوع من الفتور فلم يستطع أن ينسى بأننا أطحنا بصديقه بن بله من الحكم، وفي هذا اللقاء أبلغت عبد الناصر تحيات بومدين وقلت له "بومدين قلق من الوضع في الشرق الأوسط نظرا لوجود تصعيد في اللهجة بين مصر وإسرائيل، وكأن الحرب على وشك الوقوع خاصة بعد أن طلبتم من "يوثانت" (الأمين العام للأمم المتحدة) بسحب القوات الأممية الفاصلة بين الجيشين".
فرد عليّ عبد الناصر "نريد أن تكون أيدينا متحررة في حالة إذا هاجمنا اليهود فسندافع عن أنفسنا وسنرد عليهم بقوة"، وقبل أن يضيف شيئا آخر عن الوضع المتأزم في المنطقة راح يسألني عن صديقه بن بله، فطمأنته بأنه في صحة جيدة، وأنه مؤمّن في مكان محترم وليس موضوعا في السجن، وأوضحت له أن ما قمنا به ليس سوى تصحيح للثورة لأن بن بله كانت له مواقف انفرادية رغم وجود مكتب سياسي، كما أبديت له استياءنا من المظاهرات التي قامت ضدنا في القاهرة وتضامنا مع بن بله، دون أن أحمله المسؤولية مباشرة بالوقوف وراءها.
وكنوع من تبرئة الذمة قال لي عبد الناصر "أنت تعلم أن شعبنا متعاطف مع بن بله وكل الشعب مهتم كثيرا بالجزائر وحرب الجزائر.. وبن بله أحد مسؤولي الثورة وعاش معنا مدة ولم نكن نتمنى أن يحدث التغيير وتندلع الأزمات في الجزائر فهذا صدم الشعب المصري الذي يعيش كله على ضفاف النيل لذلك قامت المظاهرة بذلك الشكل".
غير أنني كنت مهتما بمعرفة استعدادات المصريين لمواجهة اليهود أكثر من اهتمامي بالتعرف على موقف عبد الناصر من الانقلاب على بن بله والذي مر عليه عامان، لذلك عدت إلى صلب الموضوع وسألت عبد الناصر:
ـ هل أنتم مستعدون للحرب؟ وهذا التهديد أين سيصل؟
ـ نحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا وردعهم إذا هاجمونا، وستطّلع على استعدادتنا للحرب في الجولة التي سيرافقك فيها المشير عبد الحكيم عامر إلى بعض وحداتنا العسكرية.
ثم أضاف عبد الناصر مستدركا:
ـ لدينا نقص في الطائرات المقاتلة، فهل لديكم طائرات سوخوي؟
كنت أعلم أن عبد الناصر كانت لديه المعلومات الكافية عن صفقات السلاح التي عقدتها الجزائر مع الاتحاد السوفياتي، بل إن بعض الصفقات السرية التي عقدناها مع السوفيات كانت تصلنا عبر مصر حتى لا يؤثر ذلك على علاقات موسكو مع باريس التي كانت تربطهم معها علاقات طيبة رغم انتمائها للمعسكر الغربي.
وقد حصلنا على طائرات سوخوي التي كانت حينها من آخر طراز لدى السوفيات ولديها قدرات قتالية عالية سواء كمطاردة أو كمقنبلة، وكانت هذه أول دفعة تصل الجزائر من الطائرات السوفياتية إذا استثنينا الطائرات التي أرسلها لنا عبد الناصر في 1963 خلال حرب الرمال، وقد أجبت عبد الناصر على سؤاله بالقول:
ـ لقد اشترينا دفعة من طائرات سوخوي لكن لم تصلنا كلها.
ـ إذا كان طياروكم لم يستكملوا تدريباتهم بعد فلدينا طيارين جاهزين لقيادة هذه الطائرات.
ـ سأبلغ بومدين بالأمر.
ـ أتمنى أن تكون الجزائر مستقرة وأن تتمكنوا من بناء دولتكم، وتأكدوا بأن الاتصالات والعلاقات بين مصر والجزائر ستبقى مستمرة كما كانت عليه في السابق.
ثم طلب منا عبد الناصر التوجه إلى وزارة الدفاع لمقابلة المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع، وكانت الصحافة المصرية حاضرة بمقر الرئاسة وسألوني عن طبيعة هذه الزيارة فأجبتهم بأنني "مبعوث رئيس مجلس الثورة هواري بومدين لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر في ظل التصعيد والتهديدات الإسرائيلية وقرعها لطبول الحرب" وسألوني إن كانت الجزائر ستساعد مصر فأكدت لهم "أن الجزائر ستقف بالطبع إلى جانب مصر التي ساعدتنا خلال حرب التحرير ونحن نعرف ضغوطات الغرب على مصر وسنساعدها بما نستطيع لأننا مازلنا دولة ناشئة وقد خرجنا حديثا من حرب التحرير، وجيشنا في طور البناء والتكوين".
كان هذا أول حديث رسمي أجريه مع جمال عبد الناصر الذي أحببته منذ كنت شابا في حزب الشعب ومجاهدا وضابطا في جيش التحرير بصفته قائدا وزعيما ليس في مصر فقط بل في العالم العربي برمته، وإن كنت قد التقيته من قبل خلال زيارته للجزائر في 1963 حيث أرسل لي بعد عودته للقاهرة "وسام شرف" عندما كنت قائدا للناحية العسكرية الخامسة، كما قابلته خلال زيارة بن بله للقاهرة في 1964، أما بومدين فهو الآخر كان يكن احتراما كبيرا لعبد الناصر بالرغم من موقفه المتعاطف مع بن بله.
توجهنا إلى وزارة الدفاع المصرية أين وجدنا المشير عبد الحكيم عامر في استقبالنا رفقة عدد من الضباط السامين وتم استعراض أفواج مختلفة من الجيش المصري أمامنا، ومن خلال حديثي مع المشير عامر تأكدت أن المنطقة متوجهة نحو الحرب وهو ما أكده لي وزير الدفاع المصري بنفسه حينما قال لي "نحن مستعدون للحرب فاليهود مستمرون في تحرشاتهم بنا لذلك نحن في طريقنا إلى الحرب".
ولم يعد الأمر سوى مجرد وقت فقط، فأجواء الاستعداد للحرب كانت ترتسم على وجوه الضباط المصريين بالرغم من الابتسامات وروح الدعابة التي حاولوا إضفاءها على لقاءاتنا بهم.
مصر تطلب دعمنا بالطائرات الحربية
وطلب مني المشير عامر دعم الجيش المصري بالطائرات الحربية من نوع سوخوي التي لدينا، ثم سألني إن كانت لدينا غواصات، وكان الاتحاد السوفياتي قد زودنا حينها بثلاث غواصات حربية لكنها كانت في مرحلة التجريب ولم تدخل الخدمة بعد، وتفاجأت لدقة المعلومات المصرية حول نوعية الأسلحة التي يمتلكها الجيش الجزائري التي كانت في معظمها من الاتحاد السوفياتي، إلى درجة أنه حتى ولو وصلنا مسدس من موسكو إلا وكانوا على علم به، لذلك وضعونا أمام الأمر الواقع.
كانت الجزائر على أهبة الاستعداد لدخول أول حرب خارج حدودها الإقليمية ورغم أن الجيش الجزائري لم يكن في تمام جاهزيته القتالية بسبب حداثة الاستقلال الذي لم يمر عليه سوى خمس سنوات، كما أن قواتنا الجوية والبحرية كانت في مرحلة التشكل، وقوتنا كانت تكمن في طبيعة المقاتل الجزائري الذي صقلته حرب التحرير بكفاءة عالية، لذلك كنا مستعدين لتزويد مصر بعدد من فيالق المشاة والفيالق الميكانيكية، لكن المصريين كانوا بحاجة أكثر إلى طائرات سوخوي وإلى الغواصات فقواتهم البرية كانت قوية ومزودة بالدبابات والمدافع والصواريخ لكن نقطة ضعفهم كانت في سلاح الجو مما خلق عدم توازن بينهم وبين القوات الجوية الإسرائيلية.
لم يكن سلاح الجو الجزائري في عام 1967 يملك سوى سرب من طائرات سوخوي الحديثة لم يتجاوز عددها 5 طائرات مطاردة، أما طائرات ميغ فكنا نملك منها عددا أكبر، ربما نحو 15 طائرة من نوع ميغ ولكنها من الطراز القديم وكنا نستعملها لتدريب طيارينا، حيث أرسلنا بعضهم إلى الاتحاد السوفياتي للتدريب ثم عادوا رفقة مدربين سوفيات لاستكمال تدريباتهم في الجزائر.
أنهيت زيارتي إلى مصر وكان في وداعي المشير عبد الحكيم عامر الذي طلب مني تبليغ سلامه إلى بومدين وقال لي "لا تخافوا علينا فنحن مستعدون للحرب"، وتوجهت بالطائرة مباشرة إلى دمشق وكان في توديعي سفيرنا في القاهرة الأخضر الإبراهيمي.
جولة دمشقية بنكهة عسكرية
بعد فشل الوحدة مع مصر في النصف الأول من الستينات دخلت سوريا في سلسلة من الانقلابات العسكرية، ووضعها الداخلي لم يكن مستقرا وكانت تواجه على الصعيد الخارجي تهديدات الصهاينة بمهاجمتها حيث تم حشد قوات بالقرب من هضبة الجولان مما جعل عبد الناصر يهدد بدخول الحرب إذا ما هاجم اليهود سوريا.
وصلت إلى دمشق واستقبلني في القصر الرئاسي الرئيس الأتاسي ومجموعة من الضباط السامين على رأسهم وزير الدفاع حافظ الأسد الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية، ومصطفى طلاس أصبح حاليا وزيرا للدفاع، والضابط السويدان.
سألت الرئيس الأتاسي عن الوضع على الجبهة السورية فقال لنا "المصريون مستعدون للحرب، ونحن مستعدون أيضا، ويجب أن نتعاون وننسق جهودنا في الحرب".
تناولنا العشاء في القصر الرئاسي، وبعدها جلسنا نتحدث في شؤون السياسة والحرب وأخبرنا الرئيس الأتاسي والضباط السامين الذين من حوله بأننا في مرحلة تنظيم الجيش وإعادة تأطيره، وكان هذا اللقاء فرصة لتوضيح الأمر بشأن أسباب تنحيتنا لبن بله الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في بلدان الشرق الأوسط، لكن الإخوة السوريين لم يريدوا إحراجنا في هذا الأمر أو مضايقتنا بأي شكل من الأشكال في ما يتعلق بالشؤون الداخلية للجزائر.
وفي هذه الأثناء جذبني حافظ الأسد بلطف وهمس في أذني قائلا "حبذا لو تذهب معنا في السيارة لمشاهدة دمشق"، ولم أجد مانعا في الأمر فأجبته: "بكل سرور".
ركبت سيارة مدنية إلى جانب حافظ الأسد الذي تولى قيادتها في حين جلس كل من مصطفى طلاس (وزير الدفاع السوري حاليا) وأحمد السويداني والرائد شهاب في الخلف، واستمتعنا في هذه الجولة بزيارة الشوارع والحارات الدمشقية الزاخرة بعبق الشرق الخالد، واستغل حافظ الأسد هذه الجولة ليحدثني في مسألة قال بأنها "سرية" وسألني إن كان لدينا طائرات سوخوي وثلاث غواصات لدعمهم بها في حالة وقوع الحرب، فقلت له "سأبلغ بومدين بهذا الطلب".
على قمة الجولان
في صباح الغد أخذنا وفد عسكري سوري إلى أعلى مكان في هضبة الجولان ذات الموقع الاستراتيجي الهام والمطلة على بحيرة طبرية أين يتراءى من بعيد أفراد الجيش الإسرائيلي، ولكننا خلال تجوالنا للمواقع المتقدمة للجيش السوري المرابط على أعالي الهضبة لاحظنا نقص المدافع والصواريخ المضادة للطيران فلم أرمق سوى ثلاث مدافع مضادة للطيران، كما أن الخنادق على طول الجبهة مع العدو لم تكن كثيرة، مما يوحي بأن الجبهة السورية لم تكن على قدر كاف من الاستعداد للحرب، فضلا عن أن الطريق الرابط بين دمشق والجولان كان يشهد ازدحاما مروريا ملفتا للانتباه.
رئيس الوزراء السوري إبراهيم زعيل الذي رافقنا في هذه الجولة إلى جانب سفيرنا في دمشق عبد الكريم بن محمود، أكد لنا أن "كل الأماكن مهيأة للدفاع وصد أي هجوم لليهود"، وفهمنا بأن السوريين كانوا ينوون الهجوم على اليهود انطلاقا من الجولان.
من أعلى الهضبة كنا نشاهد حركة قليلة للجيش الإسرائيلي ولم تكن تظهر أي حشود عسكرية على الجبهة السورية، وكنا نعتقد أن القوات الإسرائيلية الرئيسية متجمعة في قواعد خلفية غير بعيدة عن الجبهة استعدادا للهجوم على سوريا، لم أكن مقتنعا بالاستعدادات السورية للحرب إلا إذا كانت لهم قوات خلفية لم نتمكن من الاطلاع عليها.
وخلال لقائي مع بومدين قدمت عرض حال عن زيارتي لكل من مصر وسوريا، وأشرت إلى أن المصريين لم يأخذوني إلى الجبهة للاطلاع على الأوضاع هناك، أما بالنسبة للسوريين فأخبرته أنني لاحظت اختناق حركة المرور على الطريق الرابط بين دمشق والجولان.
بعد هذا الاجتماع الثنائي مع بومدين تم استدعاء مجلس الثورة وتم عرض حال الوضع في الشرق الأوسط، وطلبات كل من مصر وسوريا لمساعدتهم بطائرات حربية وغواصات قتالية، واتفقنا خلال هذا الاجتماع على مساعدة إخواننا العرب في حربهم المتوقعة ضد اليهود.
طلبت من بومدين تعيين بوحارة على رأس فيالق الجيش في الجبهة المصرية
الحلقة السادسة:
في الحلقة السابقة تحدث العقيد زبيري عن دوره في تأسيس حركة فتح الفلسطينية وتزويده بالسلاح وتدريب رجالها، كما تناول تفاصيل زيارته لكل من مصر وسوريا بأمر من بومدين لاستطلاع حقيقة الوضع ميدانيا وما إذا كانت هناك حرب توشك على الاندلاع في الشرق الأوسط، أم أن ما يحدث مجرد تهديدات للاستهلاك الإعلامي، وفي هذه الحلقة سيتناول زبيري تفاصيل حرب 1967 مع إسرائيل ودور الجيش الجزائري في هذه الحرب وما بعدها خلال نفس العام.
اندلاع حرب جوان 1967
في الوقت الذي كانت مصر تعتقد أن القوة الرئيسية لجيش العدو تحشد على الجبهة السورية، كان الجيش الإسرائيلي يحضر نفسه لتوجيه ضربة شاملة لدول الطوق، مستغلا تفوقه الجوي وعدم استكمال بناء القوات المسلحة المصرية بعد العدوان الثلاثي في 1956 الذي وإن انتهى بانتصار دبلوماسي للقاهرة، إلا أنه استنزف قواتها المسلحة، كما أن سوريا كانت تعاني حينها من عدم استقرار داخلي في نظام الحكم بسبب الانقلابات العسكرية المتتالية في ظرف قصير، مما جعل استعداداتها للحرب أقل من المطلوب.
وفي هذه الظروف وجهت الطائرات الإسرائيلية ضربة شاملة لمعظم المطارات العسكرية في مصر ودمرت معظم طائراتها الحربية وهي رابضة على الأرض في اليوم الأول لحرب الستة أيام، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بخدعة ماكرة فبدل أن تهاجم المطارات المصرية من الجهة الشرقية أين كانت الدفاعات المصرية بانتظارها هاجمتها من الخلف من الجهة الغربية.
أما على الجبهة السورية فتمكنت الطائرات الإسرائيلية ذات الصناعة الأمريكية والفرنسية من تحطيم معظم المقاتلات السورية في مواجهات جوية عنيفة، حيث كانت إسرائيل تملك أكثر الطائرات الأمريكية تطورا بالإضافة إلى 10 طائرات ميراج فرنسية الصنع كانت ضمن الترسانة المتطورة للقوات الجوية الإسرائيلية في الوقت الذي كانت المقاتلات السورية السوفياتية الصنع أقل تطورا وأقل عددا، مما سهل إسقاطها وسمح للطائرات الإسرائيلية بالسيطرة على سماء المعركة.
وأصبحت القوات البرية المصرية والسورية والأردنية بدون غطاء جوي يحميها مما سهل على المقاتلات الحربية الإسرائيلية قنص الدبابات والآليات وتدمير قواعد ومراكز تجمع الجيوش العربية، مما سهل على القوات البرية الإسرائيلية الزحف لاحتلال الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن وقطاع غزة الذي كان تابعا للإدارة المصرية واحتلال صحراء سيناء والسيطرة على هضبة الجولان السورية ذات الموقع الاستراتيجي.
الجيش الجزائري يدخل الحرب ضد الإسرائيليين
بمجرد وصول خبر الهجوم الجوي الإسرائيلي على الجيوش العربية بعد أن أبلغنا به ملحقنا العسكري في القاهرة صالح بوبنيدر حتى قرر مجلس الثورة إرسال قوات جزائرية على جناح السرعة إلى ميدان المعركة، فلم نكن نحتمل أن تفوتنا فرصة المشاركة في هذه الحرب، وكان بومدين وعبد العزيز بوتفليقة أكثرنا تحمّسا لدخول المعركة وكأنهما كانا عربا أكثر من العرب أنفسهم.
إذ وصلت في اليوم الثاني من الحرب نحو 11 طائرة جزائرية من نوع ميغ إلى أحد المطارات المصرية التي لم تكن قد استهدفت بعد، وكانت هذه الطائرات الحربية هي كل ما تملكه الجزائر من أسطولها الجوي، وهذا للتأكيد على أن الجزائر قررت الدخول بكل ما تملكه من سلاح في هذه الحرب لمؤازرة إخوانها العرب، كأقل شيء تقدمه لهم بعد دعمهم الشجاع للثورة الجزائرية.
وقاد هذه المقاتلات طيارون جزائريون لم يكونوا قد استكملوا بعد تدريباتهم على القتال الجوي لكنهم لم تكن تنقصهم لا الإرادة ولا الحمية للدفاع عن الكرامة العربية، وكانت مصر في أمس الحاجة إلى هذه الطائرات بعد أن دمرت قواتها الجوية وأصبحت سماؤها مكشوفة، وقد أراد أحد الطيارين الجزائريين الانطلاق بطائرته الميغ لدك المواقع الإسرائيلية لكن المصريين رفضوا السماح له بدخول هذه المغامرة خاصة وأن الطيران الإسرائيلي قد أحكم سيطرته على سماء الحرب.
وحشد بومدين القوات الجزائرية المتوجهة إلى الجبهة في ثكنة عسكرية بزرالدة غربي العاصمة وخطب فيهم خطابا ناريا ألهب في نفوسهم حمية الحرب قال فيه "...العدو يتحرش بالجيوش العربية، وقد جعلوا إسرائيل خنجرا في قلب الأمة العربية.. وأنتم مجاهدون في سبيل القضية العربية، ومصر هي التي تحملت عبء الحرب وساعدتنا خلال ثورة التحرير..".
كانت الروح المعنوية لمقاتلينا جد عالية، فقد كانوا يحترقون شوقا لمقاتلة الصهاينة، وينتظرون اللحظة التي يصلون فيها إلى ميادين الوغى حتى يمزقوا أعداءهم شر تمزيق، فانتصارنا على الجيش الفرنسي في حرب التحرير رغم قوته وجبروته أعطانا ثقة قوية بالنفس وبقي أن نبرهن على قوتنا خارج حدود أرضنا.
وتحركت القوات الجزائرية في الشاحنات العسكرية وهتافات الشعب الجزائري وزغاريد تشد أزرهم، فكلما مروا على مدينة أو قرية إلا واحتشد الناس لتحيتهم والدعاء لهم بالنصر، لقد كان حلم قهر اليهود وتحرير فلسطين يراودنا بعد أن أنهينا تحرير الجزائر، واجتازت القوات الجزائرية الحدود التونسية وبلغت الحدود الليبية في المساء وتوقفت هناك لتأخذ قسطا من الراحة وتتناول العشاء قبل أن تستكمل طريقها إلى مصر.
كما أرسلنا باخرة محملة بالأسلحة والذخائر الحربية ومواد التموين الضرورية للحرب، نقلت على ظهرها 30 دبابة وثلاثة فيالق، لكن هذه القوات لم تصل إلا بعد أسبوعين إلى خطوط المواجهة، وكانت الحرب حينها قد وضعت أوزارها، فلم يتحمل عبد الناصر مواصلة القتال بعد أن دمرت معظم قواته الجوية، وهو ما جعل في حلق جيشنا غصة لا تطاق، بعد أن حرمنا من المشاركة في هذه الحرب بشكل جدي، ونحن في ذروة الاستعداد لقتال اليهود.
تعيين بوحارة على رأس قواتنا في مصر
خلال اندلاع حرب جوان 1967 بالشرق الأوسط وقرار مجلس الثورة دخول الجزائر الحرب إلى جانب إخواننا العرب ضد إسرائيل، خشيت أن يتولى أحد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي قيادة وحدات الجيش الجزائري على الجبهة المصرية، لذلك فكرت في اختيار أحد الضباط الميدانيين من قدماء جيش التحرير بحيث يكون ندّا للضباط الفارين من الجيش الفرنسي من حيث الكفاءة والشجاعة لقيادة الجيش في المعارك، فلم أجد أحسن من عبد الرزاق بوحارة (عضو مجلس الأمة حاليا) الذي يمتلك شخصية قيادية قوية ولديه ثقافة لا بأس بها.
لكن مشكلة بوحارة أنه لم يكن يحظ بثقة بومدين بسبب مواقفه السياسية داخل الجيش وانتقاده علانية منح مناصب قيادية للضباط الفارين من الجيش الفرنسي، وهو ما دفع بومدين إلى محاولة إبعاده عن الجيش من خلال تعيينه عضوا في المكتب العسكري التابع للملحق العسكري بالسفارة الجزائرية بفرنسا.
ولصعوبة إقناع بومدين باستدعاء بوحارة من باريس وتعيينه على رأس الوحدات القتالية على الجبهة المصرية ـ خاصة وأن الضباط الفارين من الجيش الفرنسي لم يكونوا يحبذونه ـ استنجدت بسعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى (البليدة) لمساعدتي في هذه المهمة، وعندما قابلت بومدين واقترحت عليه بوحارة سكت ولم يقل شيئا، وبدا متحفظا عليه ومع ذلك لم يعترض على الأمر.
وبعد مدة وقّع شابو قرارا بتعيينه قائدا للفيالق الأربعة التي أرسلت كدفعة أولى إلى جبهة القتال، كما أرسلت وزارة الدفاع أحد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي ويدعى الرائد زرقيني ـ وهو أعلى رتبة من بوحارة ـ ليكون ضمن الوحدات القتالية في مصر، وبهذه الطريقة سعى بومدين للموازنة بين قدماء ضباط جيش التحرير والضباط الفارين من الجيش الفرنسي.
الجزائريون يقنعون عبد الناصر بمواصلة الحرب
انتهت الحرب بشكل خاطف في ستة أيام بعد تدخل الأمم المتحدة وكلا من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت نكسة شديدة للعرب، بعد أن تمكنت إسرائيل من مضاعفة مساحة الأراضي التي احتلتها عام 1948 عدة مرات، زادت من غرور الإسرائيليين واستعلائهم على العرب.
وفي ذروة الإحساس بمرارة الهزيمة ظهر بومدين وخطب خطابه الشهير الذي حاول من خلاله أن يشحذ من جديد همم العرب لمواصلة قتال اليهود وقال كلمته المؤثرة »إن كنّا قد خسرنا المعركة فإننا لم نخسر الحرب«.
كانت هذه الكلمة بمثابة شعاع أمل ينبعث وسط سحب اليأس الداكنة، وبدأت الجزائر تعمل على هذا الأساس واتصل بومدين بالهاتف بعبد الناصر ليرفع معنوياته ولا يدعه يستسلم لليأس، كما تحركت الجزائر عربيا لإعادة تنظيم الصفوف استعدادا للمعركة القادمة، ودون أن تقصد ذلك خرجت الجزائر من عزلتها المفروضة عليها عربيا بشكل غير رسمي بعد تنحية بن بله، وأصبحت أكثر حضورا في القضايا العربية المصيرية.
فبعد وقف القتال أرسل بومدين بوتفليقة مع العقيد عباس لمقابلة جمال عبد الناصر الذي كان متأثرا كثيرا لفقدان الجيش المصري لطائراته الحربية فقال لهما:
ـ الإسرائيليون يريدون عبور قناة السويس واحتلال القاهرة.
فرد عليه العقيد عباس وهو يتقد حماسة
ـ اتركهم يحتلون القاهرة.. لكنهم لن يستطيعوا الصمود.
بعد هذا اللقاء زار بوتفليقة والعقيد عباس فيالق الجيش الجزائري الأربعة على الجبهة والتي كان يقودها عبد الرزاق بوحارة ومعه مجموعة من الضباط السامين مثل زرقيني والهاشمي هجرس وعبد المجيد شريف وبوزادة، وكانت هذه القوات مقسمة إلى مشاة مدفعية وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم، وتركزت على الجهة الغربية لقناة السويس بالقرب من مدينة بور سعيد، وكانت هذه الفيالق الأربعة تمثل أقل من ثمن القوات الجزائرية التي كانت حينها تضم 30 فيلقا، وكنا نحضر لإرسال مزيد من الفيالق إلى الجبهة المصرية.
وبعد شهر من انتهاء الحرب توجهت إلى مصر لشد أزر إخواننا هناك ورفع معنوياتهم، فقد كانت الضربة الإسرائيلية شديدة على نفسيتهم وقاسية على كبريائهم، واستقبلني اللواء محمد فوزي مدير الكلية الحربية بالقاهرة رفقة بعض الضباط السامين، ودعاني للجلوس معه في مكتبه بالكلية، ولم يكن يستطيع إخفاء الإحباط عن وجهه، وبعد أن تأسف لما وقع في هذه الحرب، اعتبر أن ما حدث كان "خدعة قاسية تلقيناها" .
ورافقنا محمد فوزي إلى مواقع جيشنا على الجبهة أين استقبلنا قائد الفيالق عبد الرزاق بوحارة، وصعدت إلى مكان مرتفع حتى أتمكن من استطلاع مواقع الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية لقناة السويس بواسطة منظار، فرأيت خنادق محفورة، وبيوت مبنية لضباطهم، والمؤونة كانت تصلهم.
الحزن كان يسود الأمة المصرية قيادة وجيشا وشعبا، فليس من السهل أن تخسر كامل طائراتك الحربية في أقل من أسبوع، فلا يمكن دخول الحرب ضد إسرائيل بدون غطاء جوي، وإحساسا بالمسؤولية قرر الزعيم جمال عبد الناصر التنحي عن الحكم وتعيين نائبه محيي الدين زكريا ـ الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الداخلية ـ رئيسا للجمهورية خلفا له، فخرج الشعب المصري عن بكرة أبيه في مظاهرات عارمة بالقاهرة يعلن تجديد ثقته في زعيمه رغم النكسة.
وحتى بعد وقف إطلاق النار إلا أن مناوشات كانت تجري بين الطرفين على ضفتي القناة، كما كان الطيران الإسرائيلي يقصف من حين لآخر مواقعنا وقد استشهد خلال الشهر الأول بعد اندلاع حرب الاستنزاف نحو 17 جنديا جزائريا، ولكننا لم نخسر أي طائرة مقاتلة على ما أذكر.
زيارتي الثالثة والأخيرة إلى الشرق الأوسط
بعد شهر من وقف إطلاق النار بدأ العرب يمتصون صدمة الهزيمة ويستعيدون توازنهم، وشرعوا في حرب استنزاف للعدو الإسرائيلي، وفي نفس الوقت إعادة بناء قواتهم المسلحة خاصة القوات الجوية التي كانت السبب الجوهري في خسارتنا للحرب، وكانت كل من الجزائر والعراق بمثابة عمق استراتيجي لكل من مصر وسوريا وهو ما شجع دول المواجهة على الصمود في وجه الغطرسة الصهيونية.
1 ـ مصر:
قمت بجولة ثالثة وأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط بصفتي قائدا للأركان لأبلغ القادة العرب رسالة بومدين بضرورة الاستعداد للمعركة القادمة، وكانت مصر أول محطة لي في هذه الجولة حيث قابلت المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع الذي كان يتأسف للخدعة الإسرائيلية التي أدت إلى خسارة مصر لطائراتها الحربية، وخلال لقائي بالرئيس جمال عبد الناصر قال لي:
ـ انتظرناهم من الشرق فأتونا من الغرب.
2 ـ العراق:
محطتي الثانية في هذه الجولة كانت بغداد أين التقيت بالرئيس العراقي عبد السلام عارف الذي أكد لي على ضرورة التهيئة للمعركة القادمة التي ستكون شرسة، ولكنه تحدث عن إعادة تنظيم الجيوش وقال "الذي علينا سنقدمه وسنعده".
وبلغت عبد السلام عارف رسالة شفوية من بومدين حول ضرورة الاستعداد للحرب، ورد عليّ "بلغ سلامي لبومدين" وشكر الجزائريين الذين شاركوا في الحرب رغم أن المعركة لم تدم طويلا وقال "حتى نحن بعثنا أسلحة إلى سوريا لكننا لم نصل إلى المعركة".
3 ـ سوريا:
محطتي الثالثة كانت سوريا أين التقيت بوزير الدفاع حافظ الأسد (أصبح رئيسا للجمهورية بعد انقلابه الناجح على الرئيس الأتاسي في 1970) وتحدثت معه حول ضرورة الاستعداد للمعركة القادمة، وأن الجزائر مستعدة لتقديم المساعدة بالإمكانيات المطلوبة عندما تقررون ذلك وسنكون حينها جاهزين لذلك، وطلب مني حينها بتزويد الجيش السوري بالغواصات.
وقادنا الحديث خلال هذا اللقاء إلى مناقشة القضية الفلسطينية وسبل دعم حركة التحرير الفلسطينية "فتح" والتي كانت سوريا تحتضن بعض خلاياها، وأخبرني حافظ الأسد أنهم لا يسمحون للمقاومين الفلسطينيين بالقيام بأي عمليات فدائية ضد إسرائيل إلا بعلمهم، وأكد لي أنهم يراقبون تحركات الثوار الفلسطينيين الذين يحاولون إخفاء نشاطاتهم عنهم، معتبرا أن الثوار ينشطون على أرضهم لذلك لابد أن يكونوا على علم بكل حركاتهم وعملياتهم العسكرية ضد إسرائيل حتى يكونوا مستعدين ويقظين لأي ردة فعل إسرائيلية على هذه العمليات الفدائية.
وفي الوقت الذي دخلنا في حرب استنزاف مع العدو الإسرائيلي ونجحنا في شحذ همم القادة العرب للاستعداد للمعركة القادمة ووعدنا كل من مصر وسوريا بتزويدهم بأقصى ما نملك من السلاح والرجال كان الشرخ بيني وبين بومدين يزداد اتساعا، بسبب تكراره لنفس الخطأ الذي من أجله قمنا بتنحية بن بله، ووصلت الأزمة بيني وبينه إلى ذروتها قبيل نهاية هذه السنة.