مقدمـــــــــــــــة :ا
صدر قانون 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
ومكافحتهما بعد مصادقة الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر
الوطنية وذلك بموجب المرسوم الرئاسي 02-55 وذلك لاعتبار هذه الجريمة من اخطر
الجرائم على اقتصاد الدول مما أدى إلى توحيد الجهود الدولية من اجل معاقبة المبيضين
من خلال المساعدة المتبادلة فيما يخص التحقيقات والتحريات،ونجد أن المشرع الجزائري
أشار في قانون مكافحة الفساد رقم 06-01 إلى هذه الجريمة في المادة 42 منه ولكنه
أحالنا إلى القانون السابق وكذلك قانون العقوبات بعد التعديل الأخير لسنة 2006 رقم 06-24 ومن خلال هذا التقديم البسيط يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي:
ماهي جريمة تبييض الأموال ما هي الإجراءات المتبعة لمتابعة هذه الجريمة جزائيا ؟
المبحث الأول
مفهوم جريمة تبيض الأموال أركانها ومراحلها
لمعرفة مفهوم تبيض الأموال و للإحاطة بهذا الموضوع سنتطرق من خلال هذا المبحث إلي تقديم نختلف التعريفات القانونية و الفقهية لجريمة تبيض الأموال في المطلب الأول، ثم في المطلب الثاني نعدد أركان هذه الجريمة، لنختتم بعدها هذا المبحث بالتكيف القانوني لجريمة تبيض الأموال في مطلب ثالث.
المطلب الأول:تعريف جريمة تبيض الأموال
تبيض الأموال جريمة حديثة نوعا ما بحيث لم تكن شائعة كثيرا و لكن مع التطور و التقدم الذي عرفه المجتمع الإنساني في شتي الميادين دفعها للبروز علي الساحة الدولية كإحدى أخطر أنواع الجرائم المتخصصة في المجال المالي بحيث صار لها خصائص و مميزات تنفرد بها عن باقي الجرائم التي أصبحت تعد تقليدية أو كلاسيكية
و لقد تعددت وجهات النظر الفقهية و القانونية بشأن تعريف جريمة تبيض الأموال، ومرد هذا التعداد بالرغم من تطابق الأهداف يرجع إلي اختلاف المنظور الذي يري من خلاله كل جانب هذه
الجريمة و لمعرفة مختلف وجهات النظر و للخروج بتعريف نصبوا أن يكون شاملا سنتطرق إلي التعريف القانوني من خلال ما ورد في بعض التشريعات الوطنية و تعاريف بعض فقهاء القانون .
الفرع الأول: التعريف القانوني
- التشريع الفرنسي:
لقد تناول المشرع الفرنسي تبيض الأموال في أكثر من نص قانوني إبتداءا من قانون 90-614 إلي غاية 96-392
بموجب القانون 90-614 المتعلق بمشاركة و مساهمة المنظمات المالية في مكافحة تبيض الأموال الناتجة عن المخدرات و ورد في المادة الثانية منه أنه يلزم كل شخص أثناء ممارسة و وظيفته أو إنجازها أو مراقبتها أو حين يقدم استشارات بخصوص عمليات ينتج عنها حركة في رؤوس الأموال ، أن يصرح لدي وكيل الجمهورية بالعمليات التي يعلم بها و التي تتضمن مبالغ يعلم بأنها متأتية من المخدرات أو جرائم أخري المنصوص عليها في المادة 726 من قانون الصحة العمومية و المادة 514 من قانون الجمارك.
و بموجب القانون96-392 المتعلق بمكافحة تبيض الأموال و الاتجار في المخدرات و التعاون الدولي في مجال حجز ومصادرة متحصلات الجريمة فلقد عرف تبيض الأموال بأنه:"تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو دخول فاعل جنحة أو جنحة تحصل من خلالها علي فائدة مباشرة أو غير مباشرة" و قد شمل التعريف أيضا"تقديم المساعدة في عمليات إيداع أو إخفاء أو تحويل العائدات المباشرة أو غير المباشرة لجنحة أو جناية"
- التشريع الجزائري:
لم يعرف المشرع الجزائري تبيض الأموال في النصوص التشريعية و التنظيمية التي صدرت في هذا المجال مكتفيا بتحديد الأفعال التي تشكل جريمة تبيض الأموال وكذا آليات المكافحة، و التي تتمثل في:
- إنشاء خلية لمعالجة الاستعلام المالي علي مستوي وزارة المالية بموجب المرسوم التنفيذي 02-127 و المتضمن إنشاء خلية معالجة الاستعلام المالي و تنظيم عملها
- قانون02-11 الذي ينص علي عدم الاحتجاج بالسر المهني والبنكي أمام خلية معالجة الاستعلام المالي
- القسم السادس مكرر من قانون العقوبات الذي يشمل المواد 389 مكرر إلي389 مكرر7 المضاف بموجب قانون04-15 تحت عنوان "تبيض الأموال" و قد نص في المادة 389مكرر بأنه يعتبر تبيضا للأموال:
• تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تأتت منها هذه الممتلكات علي الإفلات من الآثار القانونية لفعله
• إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع علم الفاعل أنها عائدات إجرامية
• اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها أنها تشكل عائدات إجرامية
• المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة، أو التواطؤ أو التآمر علي ارتكابها و المساعدة و التحريض علي ذلك و تسهيله
نفس التعريف ورد كما هو الحال في القانون 05-01 المتعلق بالوقاية من تبيض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما.
و هكذا يكون المشرع الجزائري قد ركز علي الأفعال التي تشكل جريمة تبيض الأموال و تحديد آليات لمكافحة مع الأخذ بمصطلح " تبيض الأموال" بدلا من "تبيض العائدات الإجرامية" و محاولة تجفيف مصادرها و الوقاية منها و إزالة كل ذريعة من شأنها أن تخفي مصدر الأموال بما فيها السر المهني و البنكي
الفرع الثاني: التعريف الفقهي
يعرف الأخصائي في علم الاقتصاد Michel Schiray تبيض الأموال بأنه " عبارة عن مجموعة عمليات تحويل المال الذي يكون مصدره اقتصاد غير مشروع، بحيث عند إدماجه في اقتصاد شرعي لا يمكن تميزه من بين المصادر الشرعية الأخرى" و من ثمة يكون قد يني تعريفه علي معيار مادي اقتصادي يتمثل في عملية الدمج
و أما الأستاذ نادر عبد العزيز شافي يعرف تبيض الأموال بأنه "كل فعل يقصد به تمويه أو إخفاء مصدر الأموال أو المداخيل الناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن ارتكاب إحدى الجرائم" و هو بذلك يميل إلي بعض المعايير التشريعية التي ذكرناها سابقا
أما الدكتور أنور إسماعيل الهواري فيعرف تبيض الأموال بأنه " مجموعة الإجراءات التي تتخذها إحدى المنظمات أو الأشخاص لإطفاء الشرعية علي أموال ناتجة عن نشاط غير مشروع و إدخالها إلي الدورة الاقتصادية"
أما الدكتور حسام الدين محمد أحمد فإنه يري بأن تبيض الأموال "هو كل فعل أو امتناع عن فعل ورد به النص المعني بالتجريم، يهدف إلي إطفاء المشروعية علي العائدات المحصلة من أي نشاط إجرامي بشكل مباشر أو غير مباشر "
المطلب الثاني: أركان جريمة تبيض الأموال
بما أن معظم التشريعات العالمية اتفقت علي اعتبار أن تبيض الأموال جريمة، فهذا يعني أنها تقوم علي أركان كباقي الجرائم المعروفة لدلك فإن دراستنا لأركان جريمة تبيض الأموال تتناول الأركان الثلاثة المكونة لهذه الجريمة و هي :ركن مادي، ركن معنوي، ركن شرعي و سيكون هذا في ثلاثة فروع
الفرع الأول:الركن المادي
إن الركن المادي هو السلوك الإجرامي أي الفعل السلبي أو الإيجابي الذي يصدر عن مقترف الجريمة و الأثر الذي ينتج عن الفعل و العلاقة السببية التي تبقي شرطا لقيام المسؤولية، و الركن المادي يقوم علي ثلاثة عناصر و هي:
● العنصر الأول: السلوك المكون للركن المادي
ويشمل الصورة التي جاءت في نص المادة 389 مكرر من قانون العقوبات و العنهذا بهدف تضيق الخناق علي كافة الأشخاص المرتبطين بهذه العملية أيا كانت الوسائل المستعملة و الحيل التي يلجئون إليها
• العنصر الثاني: المحل الذي ترد عليه الجريمة
و هو يشمل أموال و عائدات جرائم مع أن مصطلح أموال لا يثير لبسا في حد ذاته فقد حرصت اتفاقية فينا علي إيضاح أن عبارة العائدات يقصد بها أية أمول مستمدة أو تم الحصول عليها من ارتكاب جريمة منصوص عليها في المادة 3 من الاتفاقية، كما يقصد بها كل الأصول المادية و المعنوية المنقولة و غير المنقولة و المستندات و الصكوك التي تثبت ملكيتها
• العنصر الثالث: الجريمة الأولية مصدر العائدات أو الأموال
و هي غالبا ما تتمثل في أية جريمة كجرائم السطو المسلح و احتجاز الرهائن
مقابل فدية...الخ، بحيث أن هذه الجرائم تكون هي المصدر الذي تتأتي منه هذه الأموال و
بهذا يكون الجناة و الأشخاص المتواطئون معهم في حاجة إلي إخفاء مصادر الأموال التي
هي عائدات للأفعال المجرمة التي ارتكبوها
الفرع الثاني: الركن المعنوي
و يقصد بالركن المعنوي اتجاه إرادة الجاني للقيام بالفعل الإجرامي الذي يعاقب عليه القانون ،فإن اتجهت إرادة الجاني للقيام بالفعل و إحداث النتيجة فتكون الجريمة عمدية، و إن اتجهت إرادة الفعل إلي إتيان السلوك دون قصد إحداث النتيجة نكون بصدد جريمة غير عمدية.
و لهذا فإن جريمة تبيض الأموال تتطلب ركن معنوي، وقد انقسمت الآراء الفقهية حيال هذا الركن إلي اتجاهين: اتجاه يتطلب القصد الجنائي فقط و آخر يضف إلي جانب القصد الجنائي الخطأ.
غلا أن التشريعات التي أخذة بالاتجاه الأول اختلفت هي الأخرى حيال هذا النوع من القصد، بين قصد يتطلب القصد الجنائي الخاص في جميع صور السلوك الإجرامي ، واتجاه وسط يقصر القصد في بعض صور هذا السلوك، و اتجاه ثالث يكتفي بالقصد الجنائي العام في جميع صور السلوك الإجرامي .
أما في الاتجاه الثاني و الذي يضف الخطأ علي القصد الجنائي في جريمة تبيض الأموال فنجد التشريع الفرنسي و بالرجوع إلي المادة 121 – من قانون العقوبات الجديد نجد أنه يقرر بأن لا جناية و لا جنحة دون أن تتوافر نية ارتكابها و بالتالي فقد عمم من اشتراط العمد ما لم يقرر بنص خاص العقاب علي الخطأ في صوره المختلفة
الفرع الثالث: الركن الشرعي
من المبادئ القانونية التي استقر عليها الفقه القانوني "أن لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن إلا بنص" فالركن الشرعي يتمثل في كون الفعل ينص عليه القانون و يقرر له عقوبة أو تدابير أمن وهذا دائما استنادا إلي المبدأ الذي أشرنا إليه.
فالجريمة هي فعل مادي غير مشروع أو امتناع عن فعل صادر عن إرادة جنائية ،و من أجل تفعيل هذا التعريف مع جرائم الأموال يستوجب البحث في الأفعال التي تكون السلوكيات المجرمة و مقارنتها بنصوص القانون حفاظا علي مبدأ الشرعية الذي لا تخرج عن مضمونه جريمة تبيض الأموال ، و لهذا حثت "اتفاقية فينا" جميع الدول علي تجريم جملة من الأفعال من ضمنها تبيض الأموال و هذا تحت عنوان "الجرائم و الجزاءات" في المادة3
المبحث الثاني:
مراحل و أساليب تبيض الأموال
كما سبق و أن ذكرنا إن جريمة تبيض الأموال تعني إخفاء مصادر الأموال و العائدات المتأتية عن أفعال غير مشروعة و هذا يعني أنه لإخفاء مصادر هذه الأموال لا بد من إتباع مكنزمات و أساليب و استعمال طرق معينة، ولهذا فإن اختلاف مصادر الأموال الغير المشروعة لا يعني بالضرورة اختلاف الطرق المستعملة في تبيضها فالبرعم من تعدد هذه الأخيرة فهذا راجع إلي تغير الظروف حسب الزمان و المكان و ليس لتغير مصادر الأموال و لهذا سنقوم في هذا المبحث بعرض أهم التقنيات المستعملة في تبيض الأموال و كذلك المراحل التي تمر بها العملية و التطرق إلي الخصائص التي تميز جريمة تبيض الأموال .
الفرع الأول:المراحل التي تمر بها عملية تبيض الأموال
إن عملية تبيض الأموال يمكن أن تكتسي عدة أشكال و من الناحية النظرية هناك أربعة عوامل مشتركة لكل هذه العمليات و هي:
- يجب إخفاء الملكية و المصدر الحقيقي للأموال
- يجب تغير شكل الأموال إلي صور أخري
- يجب مسح كل الآثار لهذه العملية حتى تجعل الرجوع إلي أصل الأموال غير ممكن.
- يجب الحفاظ علي رقابة ثابت علي هذه الأموال
و قد اعتبر الخبراء و من بينهم MARC PIETH أن عملية تبيض الأموال تتم عبر ثلاثة مراحل كبري يمكن أن تجري بشكل منفصل كما يمكن أن تكون في وقت واحد وذلك متوقف علي مدي توفر تقنيات المراقبة و أساليب المكافحة.
وهذا ما سنتطرق إليه في هذا المطلب من خلال ثلاثة فروع نتناول في كل فرع مرحلة من مراحل عملية تبيض الأموال و هي: التوظيف، التجميع، الدمج.
أولا :مرحلة التوظيف immersion-conversion-placement-prélavage
ترتكز عملية التوظيف علي التخلص من المبالغ النقدية الكبيرة السائلة و ذلك بتحويلها إلي ودائع مصرفية في المؤسسات المالية أو إيرادات أو أرباح وهمية و من ثم توظيف الأموال في عدة حسابات في مصرف واحد أو أكثر داخل الدولة أو في الخارج(تحويل العملة الصعبة إلي الخارج)
و تستهدف هذه المرحلة تقديم المال في صورة تجارية مشروعة، و تعرف بأنها التصرف المادي في كمية الدخل النقدي بهدف إزالته من مكان اكتسابه سعيا إلي دمجه في مناطق عمل تجاري يكون من السهل فيه التخفي و يكون من الصعوبة التعرف علي حقيقة مصدره، و يمكن أن تجري هذه المرحلة بعدة وسائل منها:
* إيداع أو شراء أدوات مالية نقدية في المؤسسات المالية(ودائع مصرفية، شيكات...)
* الاستثمار في القطاعات التي تعرف تعاملا كبيرا بالسيولة (مطاعم، كازينوهات...)
* شراء عقارات أ, منتجات فنية، سيارات فاخرة...
و حتى يتم تجنب اكتشاف المصدر غير المشروع لهذه الأموال يلجأ المبيضون منذ مرحلة التوظيف إلي استخدام تقنيات مختلفة لذلك يمكن حصرها فيما يلي:
*مزج أو خلط( Amalgame) الأموال الغير مشروعة مع أموال نظيفة باستخدامها في بعض النشاطات التجارية و ذلك بإخفائها في المعاملات و الصفقات المشروعة أو بإنشاء مؤسسات و شركات صورية قد لا يكون لها أي نشاط حقيقي إلا أنها تستخدم لتبرير المبالغ المالية واعتباره كمداخيل لها (كالفنادق، المطاعم...)
* شراء منتجات استهلاكية بكميات كبيرة من الأموال السائلة كالسيارات الفاخرة، الطائرات الخاصة...، و ذلك بهدف إضفاء مظهر الحياة الفاخرة لأصحابها للتمويه من جهة أخري.
ثانيا: التجميع Transformation-Empilage-Dispersion – Brassage
تسمح هذه المرحلة بإخفاء مصادر الأموال و الغاية منها هي فصل الأموال عن مصدرها غير المشروع و إعطائها غطاء مشروع، و تقوم هذه المرحلة علي إعادة الأموال الغير نظيفة إلي حسابات مصرفية مفتوحة باسم شركات محترمة و علي هذا المستوي من حلقة التبيض يصبح المال جاهزا لدخول في المشاريع الاقتصادية بشكل قانوني.
فعندما ينجح المبيض في وضع أمواله غير المشروعة داخل النظام المالي للدورة الاقتصادية ينتقل بعد ذلك من مرحلة التوظيف إلي المرحلة الثانية و هي التجميع، فيقوم بخلق صفقات مالية معقدة تهدف إلي إخفاء مصدر الأموال و إبعاده قدر الإمكان عن إمكانية تتبع حركته...
و تتكون هده المرحلة بمجموعة مشبعة من القيود و العمليات المالية بواسطة عدد كبير من المعاملات لجعلها معقدة و غامضة م يتم ذلك بطريقتين:
* إما باستثمار الأموال بعد النجاح ضمن الدورة المالية عن طريق تحويلها إلي وسائل دفع: سندات، أسهم...الخ، مما يجعلها سهلة النقل إلي الخارج و يمكن إيداعها في حسابات بنكية أخرى.
* و إما بالتحويل الإلكتروني أو التلغرافي للأموال، وذلك لسرعة العملية بسبب الشبكات الإلكترونية المالية إضافة إلي إمكانية إجراء التحويل بسرعة تامة و دون أي آثار محاسبية.
ثالثا:الدمج Essorage-Intégration-Recyclage
ترتكز هذه المرحلة علي إضفاء مظهر شرعي للأموال ذات المصدر الإجرامي و إتاحة استخدامها بطريقة مربحة و محترمة فهذه المرحلة تؤمن الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروة ذات المصدر غير النظيف و بهذه العملية توضع الأموال المبيضة مرة أخري في الدورة الاقتصادية فتبدو أنها تشغيل عادي و قانوني لمال من مصدر شرعي و نظيف.
و تقوم تقنية الدمج علي إعادة إدخال المبالغ المبيضة في بيئة الاقتصاد الشرعي عن طريق القيام بتوظيفات مالية و استثمارات في الاقتصاد الحقيقي (القطاعات المنتجة) أو بالاستثمارات العقارية لاستعمال هذه المبالغ و كي لا يبقي أي أثر لمصدرها الإجرامي.
إن مرحلة الدمج هي المرحلة الأصعب اكتشافا باعتبار أن الأموال قد خضعت مسبقا لعدة مستويات من التدوير تكون قد امتدت لعدة سنوات.
المبحث الثاني:
أساليب التبييض واستراتيجيات المكافحة
المطلب الاول: الأساليب المتبعة في تبيض الأموال
إن عملية تبيض الأموال المتأتية من الجرائم تدر علي أصحابها أموالا ضخمة خصوصا إذا ما علمنا أن مقدار هذه الأموال السائلة أحيانا تصل إلي مئات الملاير من الدولارات ، لذلك فإن مبيضي الأموال يستعملون كل الأساليب الممكنة لتحويل هذه الأموال غير الشرعية إلي أموال و أصول ثابتة وسلع
و خدمات تتسم بالمشروعية يمكن التعامل معها في سوق التعاملات المشروعة دون أن تعلم بها الجهات الرسمية.
و لهذا تنقسم الأساليب المستخدمة من طرف عصابات تبيض الأموال إلي أساليب تقليدية و أساليب حديثة.
الأولا:الأساليب التقليدية لتبيض الأموال
نقصد بالأساليب التقليدية تلك الأساليب الشائعة و المألوفة التي لا تتطلب تدخل آليات و تقنيات متطورة للوصول إلي الهدف المنشود، بل تعتمد أساسا علي الإنسان، من بين هذه الأساليب نذكر علي سبيل المثال لا الحصر: تهريب و تبادل العملات، استخدام الشركات أو الصفقات الوهمية، استغلال دور السمسرة، استغلال دور القمار و الكازينوهات، شراء الأصول المادية و الوسائل النقدية.
1- التهريب:
التهريب من أبرز الأساليب التي يتم بها تبيض الأموال ، إذ يقوم المتورطون بتهريب النقود إلي الخارج و يتم ذلك بوسيلتين، تتمثل في إيداع هذه النقود في حساب جاري أو في أحد المصارف، و بعد إجراء هذه العملية التي تختلط فيها الأموال القذرة بالأموال المشروعة الموجودة من قبل في هذه الحسابات يشرع في تحويل الأموال عبر المنظومة المالية في تجاه بعض الدول لا سيما الدول النامية التي تحاول جذب رؤوس الأموال الأجنبية لغايات استثمارية.
أما الوسيلة الثانية فتتمثل في النقل المادي لهذه الأموال سواء عن طريق وسائل النقل مثل البواخر و الطائرات، أو التهرب عبر الحدود البرية المشتركة بين الدول، أو بواسطة المسافرين بإخفاء النقود في الجيوب الخفية لحقائب السفر أو لعب الأطفال...الخ.
2- الشركات الوهمية:
هي شركات تؤسس فعليا و لكنها لا تمارس أي نشاط، وهي تؤسس إلا لغرض تبيض
الأموال فقط، حيث يتم ذلك من خلال استغلال ذمتها المالية و اسمها التجاري قصد فتح حسابات
مصرفية لدي البنوك لتبرير المبالغ المودعة فيها علي أنها مداخيل و أرباح الشركة ومن ثم
تهريبها إلي الخارج عن طريق التحويلات البنكية.
إن تأسيس مثل هذه الشركات سهل للغاية فهو لا يخضع لإجراءات رقابية صارمة أو استثنائية،
فهذا الأمر لا يتعدي تكوين ملف لتأسيس الشركة، و استخدام شخص في الدولة التي سوف تأسس
فيها ليكون مديرا تنفيذيا لها أو استخدام محامي يعمل كوكيل عنها.
3- الصفقات الوهمية:
تعمد بعض الشركات أو الأشخاص إلي أعمال التزييف لتبيض الأموال،و ذلك من خلال
الفواتير الزائفة التي تحوي مبالغ ضخمة، هده الفواتير الزائفة هي في حقيقة الأمر تغطية للأموال المتأتية من تجارة المخدرات أو جرائم أخري
4- دور السمسرة:
يتم تبيض الأموال عبر دور السمسرة من خلال تحويل مقدار كبير من الأموال إلي سماسرة
متعاونين في إحدى الدول لشراء كميات كبيرة من الأسهم و السندات المالية بأسمائهم أو بأسماء
شركات وهمية، أو القيام بشراء العقارات بأسعار مبالغ فيها في الدول التي تسمح للأجانب بشراء
العقارات.
5 - شراء الذهب و الأحجار الكريمة:
يعد شراء الذهب وسيلة كلاسيكية لتبيض الأموال و هذا نظرا لقيمته المعترف بها دوليا و قابليته للتحويل و التبادل في أي مكان من العالم.
و تتمثل تقنية تبيض الأموال بهذه الطريقة في القيام بشراء الذهب من البلد "أ" و نقله إلي البلد"ب" و بيعه ثم يعاد إرجاع ثمنه من العملة الصعبة إلي البلد الأصلي.
هذه الطريقة مستعملة أيضا فيما يخص التهرب الضريبي، حيث يتم إخراج الأموال نقدا بطريقة غير شرعية من البلد"أ" و استعمالها في شراء الذهب من البلد"ب" حيث تكون الرسوم علي القيمة المضافة منخفضة مقارنة بالبلد الأصلي، ليتم بعدها إدخال الذهب إلي البلد الأصلي بطريقة غير شرعية، ليعاد بيعه بأسعار كبيرة. نفس التعامل بتم أيضا مع الأحجار الكريمة و علي وجه الخصوص " الماس" علي الرغم من أنه يعد أقل رواجا من الذهب لكنه في تزايد مستمر بحكم لجوء بعض المنظمات الإجرامية إلي اقتناء هذه المادة النفيسة، و لا سيما في أوروبا الوسطي.
6- السوق السوداء:
هي عبارة عن وسيلة أخري موازية للسوق الرسمية من أجل خلق الثروة، وهذا النشاط يستهدف
تفادي القوانين بخصوص الضرائب و الرسوم المتعلقة بالاستيراد و التصدير، و هذا الأسلوب مستعمل
علي نطاق واسع من قبل عصابات تبيض الأموال و بالأخص التي تقوم بتبيض الأموال الناتجة عن
تجارة المخدرات.
ثانيا: الأساليب الحديثة لتبيض الأموال
لقد رافق تطور شبكات الاتصالات العالمية(الإنترنت) مجموعة من التغيرات في الأطر الكلاسيكية للتعامل التجاري كظهور الأموال الالكترونية (E. money) و البطاقات الذكية، حيث أصبح من اليسير تبادل القيم النقدية عبر الإنترنت و أصبح قطاع البنوك كأي قطاع تجاري يتداول الأموال من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة مما جعل عصابات الجريمة المنظمة و مبيضي الأموال يستفيدون من مزايا هذه التكنولوجيا و بالمقابل تغيرت أساليب و وسائل تبيض الأموال و أصبحت تبتعد تدريجا عن الأساليب التقليدية، لأن الشبكات الإلكترونية أصبحت تشكل ملاذا آمنا تلجأ إليه عصابات الإجرام في العالم لإجراء عمليات تبيض الأموال، ومن بين هذه الوسائل الإلكترونية التي يلجأ إليها مبيضو الأموال أجهزة الصراف الآلي، الخدمات المصرفية الإلكترونية، وبنوك الإنترنت، الاتصالات الإلكترونية و كذا البطاقات الكية.
1- أجهزة الصرف الآلي:
تستخدم أجهزة الصرف الآلي في عمليات إيداع أو سحب الأموال من الحسابات المصرفية للتخلص من الإجراءات المتعلقة بتعبئة النماذج الخاصة بعمليات السحب و الإيداع التي تعد أدلة يمكن الرجوع إليها في حالة الشك في نصدر الأموال.
يجري استعمال الآلات في عمليات تبيض الأموال بإجراء العديد من عمليات الإيداع و السحب للأموال المراد تبيضها في يوم واحد و من عدة أماكن دون أن تلفت نظر السلطات المختصة و اكتشافها.
إن استخدام هذه الآلات لا يخضع للالتزامات القانونية المترتبة علي عاتق البنوك بخصوص الإبلاغ عن العمليات المصرفية التي تتجاوز المبالغ المحددة قانونا للسلطات المختصة.
2- الخدمات المصرفية الإلكترونية:
تتمثل هذه الخدمة في استعانة البنوك بشبكة الإنترنت لتقديم خدماتها المحلية و الدولية إلي زبائنها بسهولة و يسر، كتحويل الأموال، دفع الالتزامات و الفواتير، الاستفسار عن الحساب و غيرها من الخدمات، لقد سهلت التكنولوجيا الحديثة من أمر طرح هذه الخدمات فكل ما يتطلبه الأمر خادم حاسوب(Serveur) ووسيلة اتصال بهذا الجهاز(Modem) لإنجاز الخدمة.
تنظر البنوك إلي أداء هذه الخدمة و عبر هذه الخدمة و عبر هذه الوسيلة التقنية الحديثة علي أنها تؤدي إلي توسيع قاعدة العملاء و توفير الكثير من النفقات العملياتية و الإدارية التي يتحملها العمل المصرفي التقليدي.
3- بنوك الإنترنيت:
تعد هذه الوسيلة الحديثة من أهم و أخطر الوسائل التكنولوجية المستعملة في تبيض الأموال، فهي في الواقع ليست بنوكا حقيقية تقوم بقبول الودائع و تقدم التسهيلات المصرفية أو غيرها من العمليات المألوفة لدي البنوك، بل هي عبارة عن وسيط في القيام ببعض العمليات المصرفية حيث يقوم المتعامل بإدخال شفرة سرية في الكمبيوتر و يأمر بتحويل ما يرغب في تحويله من أموال، إن هذه الوسيلة تسهل لمبيضي الأموال نقل أو تحويل أموال ضخمة بسهولة وسرعة و أمان.(2)
4-البطاقات الذكية:
البطاقات الذكية تشبه إلي حد ما بطاقة الائتمان، فهي تقوم بصرف النقود التي سبق تحميلها من العمل مباشرة إلي القرص المغناطيسي عن طريق ماكينة تحويل آلية (ATM) أو أي هاتف معد لهذا الغرض.
فالبطاقة الذكية تمتاز بخاصية الاحتفاظ بأموال ضخمة مخزنة علي قرص خاص بها، بحيث يمكن بسهولة نقل هذه الأموال ببطاقة أخري بواسطة الهاتف المعد لذلك و بدون تدخل أي بنك من البنوك و بذلك تكون بمنأى عن المراقبة التي يمكن أن تقوم بها السلطات أو الهيئات المختصة.
هناك طرق و أساليب أخري تستعمل من طرف عصابات الإجرام المتخصصة في تبيض الأموال،و التي تعمل مجموعة العمل المالية الدولية علي اكتشافها و تحذير الدول منها عبر تقارير دورية قصد تكثيف التعاون الدولي للقضاء علي هذه الظاهرة أو علي الأقل الحد من آثارها السلبية علي السياسات الاقتصادية و الاجتماعية العالمية.
إستراتيجية مكافحة تبيض الأموال
بعد أن تعرضنا في المبحثين في السابقين إلي ماهية جريمة تبيض الأموال من خلال معرفة مختلف التعاريف الواردة بخصوصها في الاتفاقيات و الوثائق الدولية و الإقليمية و التشريعات الوطنية و ما ورد أيضا في بعض الآراء الفقهية التي تناولت هذا الموضوع بالدراسة التحليلية، كما أبرزنا أيضا خصائص جريمة تبيض الأموال و المراحل التي تمر بها بوصفها أموال غير مشروعة لتصبح أموالا مشروعة باستعمال أساليب تقليدية و أخري حديثة قصد الوصول إلي الهدف المنشود.
و لهذا في هذا المبحث سنتناول بالشرح و التحليل، تطور التشريع الدولي و الإقليمي و الوطني في التصدي لجريمة تبيض الأموال و آليات المراقبة و المكافحة و لهذا سنقسم هذا المبحث إلي ثلاثة مطالب:
* نخصص المطلب الأول منه إلي تطور التسريع الدولي و الإقليمي في مجال مكافحة غسيل الأموال.
* و نتعرض في المطلب الثاني لدراسة تطور التشريعات الوطنية في مجال مكافحة تبيض الأموال.
* أما المطلب الثالث فنتناول فيه الآليات الدولية و الإقليمية و الوطنية لمراقبة و مكافحة تبيض الأموال.
المطلب االثاني: تطور التشريع الدولي و الإقليمي في مجال مكافحة تبيض الأموال
نتناول في هذا المبحث أهم الاتفاقيات الدولية و الإقليمية التي أبرمت في مجال مكافحة تبيض الأموال و مدي تجاوب القانون الجزائري مع نلك المبادئ التي أفرزتها تلك الاتفاقيات الدولية و الاقليمة.
الفرع الأول:تطور التشريع الدولي
أولا توصيات بازال:
صدرت هذه التوصيات عن " مجموعة العشرة" هذه المجموعة هي عبارة عن عدد من البنوك المركزية و بعض المؤسسات المالية ذات الطابع الإشرافي اجتمعت في بازال بسويسرا عام 1988.
تتضمن توصيات بازال العديد من المبادئ التي يتعين علي المصرفين إتباعها للسيطرة علي عمليات تبيض الأموال و مكافحتها بمنع استخدام البنوك كقنوات تسهل إخفاء أو توظيف الأموال المشبوهة، هذه المبادئ يمكن تلخيصها في مايلي:
- وجوب قيام المؤسسات المالية بالتحقق من عملائها توافقا مع مبدأ " اعرف عميلك".
- تحديد حجم المدفوعات النقدية من المصارف التي تتجاوز سقفا معينا تحدده السلطات المختصة في البلاد.
- وجوب مبادرة المؤسسات المالية و المصرفية إلي إعلام السلطات المختصة عن أية عمليات تحويل من الخارج أو من الداخل تتجاوز السقف المحدد.
- الرقابة من قبل المؤسسات المالية و المصرفية علي عمليات القطع الأجنبي فوق الحاجز، و ذلك بتحديد هوية المتعاملين، و حجم الأموال المتعامل بها و إعلام السلطات المختصة.
- وضع المؤسسات المالية و المصرفية بعض العمليات المصرفية لعملائها تحت المراقبة الشديدة،لاسيما التي يشكك يصلتها بعمليات الاتجار في المخدرات و غسل أموالها،و إعلام السلطات المختصة بها.
- قيام المؤسسات المالية المصرفية بكل ما يلزم للتحقق من أن أجهزتها لا تستخدم كوسيلة لتبيض الأموال.
- تدريب العاملين في المؤسسات المالية و المصرفية علي طرق مكافحة تبيض الأموال الناجمة عن الاتجار بالمخدرات.
- كشف سرية العمليات المصرفية للسلطات المختصة عند التأكد من أن بعض العملاء يعمدون إلي تبيض أموالهم.
ثانيا:اتفاقي الأمم المتحدة لمكافحة التجار في المخدرات و المؤثرات العقلية 1988.
تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية الموقعة بفينا سنة 1988 ، تتويجا لمجهود متواصل قامت به الأمم المتحدة منذ بضع عقود في مجال مكافحة المخدرات، و لأن الاتفاقية الأولي و ملاحقها اقتصرت علي الدعوة لتجريم كافة صور النشاط المتعلق بالمواد المخدرة و المؤثرات العقلية،فقد ظهرت الحاجة منذ الثمانينات إلي درب جديد من الدروب مكافحة هذا النشاط حيث يتمثل ذلك في ضرورة مكافحة عائدات هذا لنشاط و متحصلاته من أموال و أصول، نظرا لاتخاذ هذا لنشاط شكل الجريمة الدولية المنظمة بكل آثارها و تعقيداتها و ارتباطها بأنشطة إجرامية أخري تنتج عنها عائدات تسعي عصابات الإجرام إلي تبيضها.
تحت وطأة تفشي هذه الظاهرة و استفحال آثارها المدمرة أبرمت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة و المؤثرات العقلية يفينا في 19 ديسمبر 1988 و دخلت حيز التنفيذ في 11 نوفمبر1990 و قد صادقت الجزائر علي هذه الاتفاقية بتحفظ، بموجب المرسوم الرئاسي 95-41 المؤرخ في 28 يناير1995.
صدرت الاتفاقية في أربعة و ثلاثين مادة، تضمنت أحكاما تتعلق بتبييض الأموال في مجال تجارة المخدرات و المؤثرات العقلية، كتجريم تحويل الأموال أو نقلها مع العلم أنها مستمدة من أية جريمة أو جرائم مرتبطة بتجارة المخدرات و المؤثرات العقلية أو إخفاء أو كتمان أو إظهار مظهر كاذب للهوية الحقيقية تلك الأموال أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها مع أنها مستمدة من جريمة أو جرائم منصوص عليها في الاتفاقية أو من فعل ناشئ عن الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم.
تعد اتفاقية فينا لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية الآلية الدولية التي لها قوة النفاذ و النص المرجعي الذي يفرض الالتزام بتجريم تبيض الأموال و تسهيل التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين و التعاون القضائي.
ثالثا:توصيات مجموعة العمل المالية الدولية(GAFI)
لقد أسفرت توصيات مجموعة السبعةG7 عن إنشاء لجنة عمل مالية خاضعة تدعي مجموعة عمل مالية تدعي مجموعة العمل المالية الدولية(GAFI)،بهدف اتخاذ خطوات فعالة لمكافحة تبيض الأموال و أقرت هذه المجموعة أربعين توصية تحمل إستراتيجية شاملة ترمي إلي التصدي لتبيض الأموال، و برنامج عمل للمجتمع الدولي بأسره، إذ يؤكد التقرير الصادر عن المجموعة علي أن " أي برنامج فعال لابد و أن يتضمن المزيد من التعاون المتعدد الأطراف و المساعدة القانونية المتبادلة في عمليات تحريات تبيض الأموال و ملاحقتها قضائيان و تسليم المجرمين في قضايا تبيض الأموال حيثما أمكن ذلك" .
رابعا: برنامج الأمم المتحدة
لمواجهة جريمة تبيض الأموال صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ التدابير الكفيلة بتنفيذ أحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية لسنة 1988 تضمن هذا القرار:
- تنفيذ أحكام تبيض الأموال التي وردت في اتفاقية الأمم المتحدة عام 1988 و ضرورة مواءمة التشريعات الوطنية مع الأحكام ذات الصلة خصوصا ما يتعلق منها برفع سرية الحسابات
المصرفية لتسير إجراءات التحقيق في جرائم تبيض الأموال.
- ضرورة التعاون بين الدول من خلال الاتفاقيات الثنائية من أجل ملاحق تجار المخدرات و مصادرة ثرواتهم و تقسيمها بين الدول الأعضاء في الاتفاقية.
- إنشاء كل دولة لوحدات متخصصة في التحقيق في جرائم تبيض الأموال و بواسطة التعاون الوثيق مع المؤسسات الدولية ذات الصلة بالموضوع.
- إحكام صياغة قوانين مصادرة الأموال الناجمة عن مداخيل غير مشروعة ، و العمل علي استخدام حصيلة الأموال غير المشروعة المصادرة في رفع كفاءة أجهزة الأمن العاملة في مجال مكافحة المخدرات، و ذلك وفقا لما جاء في المؤتمر الدولي لمنع تبيض الأموال و استخدام عائدات الجريمة و مكافحتها و الذي نظم في إيطاليا لسنة1994.
- النظر في إمكانية إرساء مبدأ عبء الإثبات لمشروعية الدخل الذي تتم مصادرته و غيره من المتحصلات و الأموال الأخرى الخاضعة للمصادرة علي صاحب و ذلك في الظروف الملائمة و بما يتفق مع الشروط القانونية المحددة، و ذلك وفقا لنص المادة الخامسة فقرة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة لسنة1988.
خامسا: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
اعتمدت هذه الاتفاقية من طرف الجمعية العامة لأمم المتحدة يوم 15 نوفمبر2000 و صادقة عليها الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم 02-55 المؤرخ في05فبراير2002.
جاءت هذه الاتفاقية في إحدى و أربعين 41 مادة تتضمن أحكاما تتعلق بمكافحة تبيض الأموال(1)
1- في مجال تجريم تبيض العائدات الإجرامية:
ورد في المادة السادسة من الاتفاقية ما يفيد دعوة الدول الأطراف إلي اتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية و تدابير أخري لتجريم:
- تحويل الممتلكات أو نقلها مع العلم بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي الذي تأتت منه علي الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.
- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها عائدات إجرامية.
- اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم وقت تلقيها أنها عائدات إجرامية
2- في محال مكافحة تبيض الأموال:
ورد في المادة السابعة من الاتفاقية ما يفيد دعوة كل دولة طرف إلي:
- إنشاء نظام داخلي للرقابة و الإشراف علي المؤسسات المصرفية و سائر الهيئات المصرفية بشكل خاص لتبيض الأموال من أجل كشف و ردع أشكال تبيض الأموال.
- أن تكفل بقدرة الأجهزة الإدارية و الرقابية و أجهزة إنفاذ القوانين و سائر الأجهزة المكلفة و المكرسة لمكافحة تبيض الأموال، علي التعاون و تبادل المعلومات علي الصعيدين الوطني و الدولي، و أن تنظر للغاية نفسها في إنشاء وحدة استخبارات مالية تعمل كمركز وطني لجمع و تحليل المعلومات عما يحتمل و وقوعه من تبيض الأموال.
- أن تنظر في تنفيذ تدابير مجدية لكشف و رصد حركة النقد و الصكوك القابلة للتداول عبر حدودها .
- إنشاء نظام رقابي و إشرافي داخلي، و أن تسترشد بالمبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية و المتعددة الأطراف لمكافحة تبيض الأموال.
- السعي إلي تطوير و تعزيز التعاون العالمي و الإقليمي و الثنائي بين الأجهزة القضائية و أجهزة إنفاذ القانون و أجهزة الرقابة المالية من أجل مكافحة تبيض الأموال.
3- في مجال الضبط و المصادرة:
تحث الاتفاقية في مجال الضبط و المصادرة الدول الأطراف علي ما يلي:
- اعتماد ما قد يلزم من تدابير إلي أقصي حد ممكن في حدود نظمها الداخلية للتمكن من مصادرة العائدات الإجرامية المتأتية من الجرائم المشمولة بالاتفاقية، أو ممتلكات تعادل قيمتها تلك العائدات.
- اعتماد ما قد يلزم من تدابير للتمكن من التعرف علي أي من العائدات الإجرامية و اقتفاء أثرها أو تجميدها أو ضبطها بغرض مصادرتها:
• إذا كانت العائدات الإجرامية قد حولت أو بدلت جزئيا أو كليا إلي ممتلكات أخري.
• إذا كانت العائدات الإجرامية قد اختلطت بممتلكات اكتسبت من مصادر مشروعة، وجب إخضاع تلك الممتلكات للمصادرة في حدود القيمة المقدرة للعائدات المختلطة.
- إخضاع الإيرادات أو المنافع الأخرى المتأتية من العائدات الإجرامية التي حولت العائدات الإجرامية إليها أو بدلت بها، أو الممتلكات التي اختلطت بها العائدات الإجرامية، أيضا لنفس التدابير علي ذات النحو و لنفس القدر المطبق علي العائدات الإجرامية.
- تخويل المحاكم أو السلطات المختصة الأخرى أن تأمر بتقديم السجلات المصرفية أو المالية أو
التجارية أو بالتحفظ عليها و عدم الاختباء وراء السرية المصرفية.
- النظر في إمكانية إلزام الجاني بأن يبين المصدر المشروع للعائدات الإجرامية المزعومة أو الممتلكات الأخرى المعرضة للمصادرة.
المطلب الثالث:تطور التشريعات الوطنية
الفرع الثاني: التشريع الفرنسي
1-قانون 87-1157 لسنة1987:
يعد هذا القانون أول قانون صدر في فرنسا يعاقب علي جريمة تبيض الأموال كجريمة قائمة بذاتها، حيث نص علي عقاب كل من اشترك أو ساهم عن علم و وعي في تبيض العائدات الناجمة عن جرائم المخدرات.
لقد استحدث هذا القانون دعوي جنائية ضد هؤلاء الأشخاص الذين و إن لم يرتكبوا أو يساهموا في الجريمة الأصلية إلا أنهم قد لعبوا دورا في عملية الاستثمار المالي لثمار هذه الجريمة.
حدد القانون عقوبة السجن لمدة تتراوح بين عامين إلي عشرة أعوام، وبغرامة تتراوح من خمسة آلاف إلي خمسمائة ألف فرنك فرنسي.
2- قانون90-614 المتعلق بمساهمة المؤسسات المالية في مكافحة تبيض الأموال المتأتية من المتاجرة في المخدرات:
يتعلق هذا القانون أساسا باشتراك المؤسسات المالية و البنوك علي وجه خاص في مكافحة تبيض الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات.
ألقي هذا القانون علي عاتق المؤسسات المالية و البنوك مسؤولية و جوب الإفصاح عن العمليات المالية و المصرفية التي تثور حولها الشبهات، و ألزم البنك بالتعرف علي هوية الحسابات سواء كان العميل عابرا أو دائما،في حالة قيامه بعملية مصرفية تزيد عن مبلغ قدره50.000 فرنك أو استئجاره إحدى الخزائن الحديدية بالبنك.
و في المادة 14 منه ألزم البنوك بضرورة تفحص أي عملية يزيد مقدارها عن المليون فرنك فرنسي، بعناية و الاحتفاظ في السجلات بيانات تتعلق بمصدر هذه الأموال و الجهة المرسل إلها.
الفرع الثالث: التشريع الجزائري
تعد الجزائر من بين الدول السباقة إلي المصادقة علي الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة المنظمة التي ليس لها حدود جغرافية أو اتجاهات إيديولوجية إلا الكسب السريع للأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة.
لقد صادقت الجزائر بتحفظ علي ثلاث اتفاقيات دولية ذات الصلة بجريمة تبيض الأموال:
• اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية.
• اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عير الوطنية.
• اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
تعد المصادق علي هذه الاتفاقيات في نظر القانون الدولي التزام من الدولة علي تطبيق ما ورد فيها من ترتيبات، باتخاذ ما يلزم من التدابير التشريعية و الإدارية وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، فالقاضي الجزائري ملزم بتطبيق الإجراءات الواردة في الاتفاقيات المذكورة أعلاه، و ذلك بموجب لمادة 123 من الدستور الجزائري التي تنص علي أن " المعاهدة التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو علي القانون" .
إن الجزائر و وعيا منها بخطورة جريمة تبيض الأموال اتخذت جملة من النصوص التشريعية و التنظيمية و الآليات العملية للمراقبة و المكافحة، و من النصوص التشريعية التي يمكن أن يستشف منها الإشارة إلي هذه الجريمة نذكر:
• الأمر77-03 مؤرخ في 19 مارس1977، متعلق بمنع الجمع غير الشرعي للأموال.
• القانون90-10مؤرخ في14 افريل1990، متعلق بالنقد و القرض.
• الأمر96-22مؤرخ في09جويلية1996 متعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال.
هذه النصوص لا تستوعب في الحقيقة الأمر نشاط تبيض الأموال بل يمكن أن تصنف بأنها من جرائم الكسب غير المشروع أو مخالفة لتنظيم حركة رؤوس الأموال أو جرائم مالية أخري مشابهة، مما يستوجب عدم دراستها كنصوص تتضمن جريمة تبيض الأموال.
و من النصوص التي تتعلق فعلا بنشاط تبيض الأموال و التي هي سارية المفعول الآن نذكر:
* المرسوم التنفيذي 02-127مؤرخ في7 أفريل2002، يتضمن إنشاء خلية معالجة الاستعلام المالي و تنظيمها و عملها.
* القانون04-15مؤرخ في 10نوفمير2004، يعدل و يتمم الأمر66-156 المؤرخ في 8 جوان1966، المتضمن قانون العقوبات.
* القانون05-01مؤرخ في 6فبراير2005، يتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما.
* النظام 05-05 المؤرخ في 15ديسمبر2005، يتعلق بالوقاية من تبيض الأموال و تمويل الإرهاب.
* القانون06-01مؤرخ في 20فبراير2006، يتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
المبحث الثالث: خلية معالجة الاستعلام المالي
المطلب الأول: ماهية خلية الاستعلام المالي
أنشأ المشرع الجزائري خلية الاستعلام المالي بموجب المرسوم التنفيذي 02-127 المؤرخ في 07 أبريل 2002.
هذه الخلية حسب المادة الأولي من المرسوم تكون تحت تكليف الوزير المكلف بالمالية ، وهي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ،ويكون مقر هذه اللجنة بالجزائر العاصمة مهمتها مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
الفرع الأول: مهام خلية معالجة الاستعلام المالي وإدارتها.
تستلم تصريحات الاشتباه وتعالجها بكافة الطرق المناسبة
ترسل الملف إلى وكيل الجمهورية المختص قانونيا إذا كانت الوقائع المعاينة قابلة للمتابعة الجزائية.
تقترح النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بـ مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
تضع إجراءات الوقاية والكشف عن الجرائم.
الخلية مؤهلة لطلب كل وثيقة أو معلومة ضرورية لانجاز المهام المسندة إليها من الهيئات والأشخاص الذين يعينهم القانون ويمكن لها طلب مساعدة كل شخص تراه مؤهلا لذلك.
تبادل المعلومات مع الهيئات الأجنبية:
يكمن لها حسب المادة 8 تبادل المعلومات التي بحوزتها مع الهيئات الأجنبية مخولة بمهام مماثلة شريطة المعاملة بالمثل.
إدارة الخلية:
يدير الخلية مجلس ويسيرها أمين عام
مجلس الخلية يتكون من 6 أعضاء منهم رئيس يختارون لكفاءتهم الأكيدة في المجال المالي والقانوني.
يعين الأعضاء ورئيس المجلي بموجب مرسوم رئاسي لعهدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
تتخذ قرارات المجلي بالإجماع.
يلتزم هؤلاء الأعضاء بالسر المهني وكذي بإحترام واجب التحفظ طبقا للتشريع المعمول به.
هؤلاء الأعضاء محميون من طرف الدولة من التهديدات والإهانات والهجمات من اي طبيعة كانت التي يمكن أن يتعرضوا لها بسبب أو بمناسبة انجازهم لمهامهم.
حسب المادة 16 من المرسوم 02-127 يسير الأمين العام تحت سلطة رئيس الخلية الشؤون الإدارية والوسائل البشرية والمادية للخلية.
الأمين العام يعين بمقرر من رئيس الخلية.
تمنح الدولة كل الوسائل المادية والبشرية والمادية الضرورية لسيرها.
رئيس الخلية هو الأمر بالصرف.
الفرع الثاني: سلطات خلية معالجة الاستعلام المالي
1. للهيئة حق الإطلاع على المعلومات الواردة إليها والمتمثلة في الإخطار بالشبهة.
2. لها حق الاعتراض لدى المؤسسات المالية عن تنفيذ أي عملية بنكية لأي شخص طبيعي أو اعتباري تقع عليه شبهة قوية بان يقوم بعملية تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.
3. إن تعترض بصفة تحفظية لمدة 72 ساعة ويجوز مدها بناء على قرار من رئيس محكمة الجزائر بناء على طلب الهيئة المختصة وبعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر إن يمدد الأجل أو يأمر بالحراسة القضائية المؤقتة على الأموال أو الحسابات أو السندات موضوع الإخطار.
يمكن لوكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر تقديم عريضة لنفس الغرض
ينفذ الأمر الذي يستجيب لهذا الطلب بناء على النسخة الأصلية قبل تبليغ الطرف المعني بالعملية.
إذا لم يتضمن الإشعار بالاستلام وصل الإخطار بالشبهة التدابير التحفظية النصوص عليها أعلاه أو لم يبلغ أي قرار صادر عن رئيس محكمة الجزائر أو قاضي التحقيق الجاري أمامه التحقيق عند الاقتضاء للأشخاص والهيئات المذكورة في المادتين 19و21 من هذا القانون في اجل اقصاه72 ساعة فانه يمكن تنفيذ العملية موضوع الإخطار حسب نص المادة 04/1.
الأموال هي أي نوع من الأموال المادية وغير المادية ،لاسيم المنقولة وغير المنقولة التي يحصل عليها بأي وسيلة كانت ،والوثائق والصكوك القانونية أيا كان شكلها بما في ذلك الشكل الالكتروني والرقمي والذي تدل على ملكية تلك الأموال أو مصلحة فيها بما في ذلك الائتمانات المصرفية وشيكات السفر والشيكات المصرفية والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد.
في إجراءات المتابعة في الخارج:
لايمكن اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية من اجل تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب إلا إذا كانت الأفعال الأصلية المرتكبة في الخارج تكتسي طابع إجرامي في البلد الذي ارتكب فيه وفي القانون الجزائري.
المطلب الثاني:الوقاية من تبييض الأموال :
للوقاية من تبييض الأموال أوجب المشرع الجزائري على كل شخص يقوم بالدفع أن يكون هذا الأخير بوسائل الدفع المحددة قانونا عن طريق القنوات البنكية والمالية .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الدفع له واجب عندما يكون قد بلغ المبلغ المحدد قانونا وقد احالتنا المادة 06 من القانون 05-01 إلى التنظيم لمعرفة كيفية التطبيق.
كما أوجب المشرع بموجب المادة 07 من القانون 05-01 على البنوك والمؤسسات المالية المشابهة أن تتأكد من هوية وعنوان زبائنها قبل فتح حساب أو دفتر أو حفظ سندات أو قيم أو إيصالات أو ت